لقد تحدد الوضع الديني والعسكري والسياسي للأتراك العثمانيين منذ عهد الأمير عثمان على النحو التالي:
- اعتنق الأمير عثمان الدين الإسلامي وتبعه الأتراك العثمانيون. كانت عقيدتهم الدينية قبل ذلك غير واضحة تماماً، ويحتمل أنهم كانوا في حالة تحول من الوثنية أو من عقائد أخرى إلى الإسلام. وعلى كل حال، فإن صلاتهم الوثيقة بدولة الروم السلاجقة في الأناضول – وهي دولة إسلامية – كانت عاملاً هاماً ساعد على اعتناقهم الدين الإسلامي بسرعة وسهولة. وعلى ذلك، فقد تحدد الإسلام عقيدة دينية رسمية للأتراك العثمانيين منذ عهد الأمير عثمان، وسار عثمان في حكمه على هدى إيمان عميق وبساطة في الدين، وكان متحمساً لعقيدته الدينية، وأخضع حكمه لمشورة الفقهاء المسلمين. وكانت العدالة أبرز ما تميز تصرفاته في عصر امتلا بالظلم والعنف. وكان للإسلام أثر كبير في مستقبل العثمانيين، إذ هيأ لهم وحدة العقيدة وعبأهم بشعور ديني دافق جعلهم متحمسين للإسلام. واجتمعت إلى هذه العاطفة الدينية المتأججة روح عسكرية طاغية، بحيث غدت سمة بارزة في الأتراك العثمانيين. وقد استمدوا هذه الروح العسكرية من بيئتهم الأصلية في سهول آسيا، ثم عمل السلاطين على تعميقها في نفوسهم فلازمتهم طوال تاريخهم.
- أظهر الأمير عثمان مقدرة فائقة في وضع النظم الإدارية لإمارته، بحيث قطع العثمانيون على عهده شوطاً بعيداً على طريق التحول من نظام القبيلة المتجولة إلى نظام الإدارة المستقرة، مما ساعدها على توطيد مركزها وتطورها تطوراً سريعاً إلى دولة كبرى وإعدادها للدور الضخم الذي قامت به بعد ذلك.
- إن أهم دولتين كانتا في آسيا الصغرى، وهما الدولة البيزنطية ودولة الروم السلاجقة، كانتا قد وصلتا إلى حالة إعياء شديد نتيجة الصراع الطويل الذي خاضته كل منهما ضد الأخرى، ونتيجة تعرض الدولة البيزنطية للغزو اللاتيني (الحملة الصليبية الرابعة) ونتيجة تعرض دولة الروم السلاجقة للغزو المغولي. فكان في شبه جزيرة الأناضول فراغ سياسي، وكانت الأوضاع السياسية مهيأة لظهور دولة تملأ هذا الفراغ السياسي على أنقاض الدولتين المتداعيتين.
- إن نشأة الإمارة العثمانية في الشمال الغربي للأناضول على حافة العالم المسيحي – وهو ما يسمى بدار الحرب – وعلى حافة العالم الإسلامي – وهو ما يسمى دار الإسلام – قد فرضت عليها سياسة حربية معينة، ذلك أن هذه الإمارة كانت على الحدود والثابت في تاريخ الأناضول أن الإمارات التي نشأت على الحدود كانت أوفر نصيباً من عوامل النمو والتطور من إمارات الداخل، وأنه لم يكن في استطاعة هذه الإمارات الداخلية أن تتطور وتنمو بنفس السرعة التي تطورت ونمت بها إمارات الحدود. واستطاع الأمير عثمان أن يحرز انتصارات عسكرية على البيزنطيين. وكان من حظ عثمان أن أغار المغول سنة 1300م على دولة الروم السلاجقة في آسيا الصغرى، وحدث ما كان متوقعاً، إذ زالت دولة الأتراك السلاجقة وتوفي السلطان علاء الدين الثالث سنة 1307م، وأعلن عثمان استقلاله مقتدياً بغيره من الأمراء الذين بلغ عددهم ثلاثة عشر أميراً أسس كل منهم حكومة مستقلة على أنقاض دولة الروم السلاجقة أو الأتراك السلاجقة. وتلقب عثمان بلقب سلطان ويعتبر المؤسس الحقيقي للدولة العثمانية.
لقد أيقن عثمان أن عشيرته التركية بتعدادها القليل لن تستطيع بمفردها تأسيس الدولة التي يرتجى تكوينها ممتدة الأطراف مهيبة الجانب. فرسم سياسته على أساس مصاهرة الدول المجاورة واستقدام الرقيق من مختلف البلدان واستخدام المغامرين الذين تستهويهم الشهرة في ميادين القتال. فاختار عثمان لنفسه زوجة مسيحية من قيليقيا، وزوج ابنه من فتاة مسيحية.
ومضى عثمان يوسع رقعة بلاده، واستولى على بعض المدن كانت أهمها بروسة (بورصه)، سمع بفتحها وهو على فراش الموت سنة (727هـ / 1326م)، وكان ابنه أورخان على رأس القوات التي زحفت عليها وأوصى عثمان بأن ينقل رفاته إلى بورصه في كنيسة القصر التي حولت فوراً إلى مسجد، وأصبحت بورصه عاصمة جديدة للأتراك العثمانيين في سلسلة العواصم التي انتقلوا إليها عبر تاريخهم من قونية وانتهاء بإسطنبول.
الخلاصة أن التحركات الحربية التي قام بها العثمانيون في هذه المرحلة الأولى من تاريخهم كانت نتاج عدة عوامل، أهمها:
- الروح الدينية الجياشة.
- الطبيعة العسكرية الصارمة.
- الموقع الجغرافي للإمارة العثمانية في الشمال الغربي للأناضول.
- الأوضاع السياسية في المنطقة المحيطة بالأتراك العثمانيين.
والواقع أن هذه التحركات الحربية كانت بداية لسياسة حربية نشيطة حرص الأتراك العثمانيون على الالتزام بها، وانتشروا في بقاع أوروبا وآسيا وإفريقيا فاتحين.
المراجع
- كتاب “الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث” من تأليف إسماعيل أحمد ياغي، 1995، ص13-16.
- د. سيد الدقن، دراسات في تاريخ الدولة العثمانية، القاهرة، 1979، ص 10-15.
- محمد كمال الدسوقي، الدولة العثمانية والمسألة الشرقية، القاهرة، 1976، ص 12-14.
- محمود شاكر، التاريخ الإسلامي (العهد العثماني)، الجزء 8، دمشق، 1986، ص 62.
- محمد فؤاد كوبريلي، قيام الدولة العثمانية، ص 180-181.