يعتبر المؤرخون أن بداية استخدام مصطلح الشرق الأوسط جاءت في أواخر القرن التاسع عشر. بينما يُشير آخرون أن أول مؤشر لاستخدام المصطلح ظهر بعد توقيع معاهدة السلام بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية في عام 1774.
كما يبين أرشيف مكتب الهند البريطاني استخدام مصطلح الشرق الأوسط في أواسط القرن التاسع عشر.
لكن بداية استخدام المصطلح بكثرة ونَسب منطقتنا العربية وتركيا الحالية له ظهر في عام 1902، حيث أن القبطان ألفْريد ماهان وهو ضابط بحري أمريكي استخدمه لتمييز المنطقة الواقعة بين شبه الجزيرة العربية والهند. وقد كتب المستشرق والصحفي الإنجليزي الشهير “فالنتاين شيرول” مجموعة من المقالات بين عامي 1902 و 1903 بعنوان “المسألة الشرق أوسطية”.
كانت فكرة مصطلح “الشرق الأوسط” فكرة سياسية النشأة قد تبلورت في الحديقة الخلفية للمؤامرة الفرنسية البريطانية لتفكيك الدولة العثمانية وإنشاء مجموعة من الدول الضعيفة رسمت حدودها اتفاقية سايكس بيكو في العام 1916، معلنةً هيمنة فرنسية بريطانية على المنطقة العربية زادت على الأربعين عاماً.
وقد أنشأ ونستون تشيرشيل حين ترؤسه لوزارة المستعمرات البريطانية عام 1921، إدارة “الشرق الأوسط” في وزارته لتشرف على شؤون الاحتلال البريطاني لفلسطين وشرق الأردن والعراق.
أحد أهم الحيَل السياسية وراء استخدام مصطلح “الشرق الأوسط” ليس فقط اسقاط الدولة العثمانية وإنما أيضاً تأسيس دولة إسرائيل ومحي كلمة عربية من الخارطة السياسية في المنطقة. فاستخدام كلمة المنطقة العربية تصف كافة الأراضي العربية التي تبعت للعثمانيين أو كانت محتلة من فرنسا وتوحيدها تحت راية العِرق واللغة وربما الدين أيضاً ولكن عند استخدام مصطلح الشرق الأوسط فأنت تلغي الدين واللغة والعرق والثقافة المشتركة لشعوب عاشت في هذه المنطقة لآلاف السنوات.
الحدود الأردنية السعودية وعطسة شيرشيل
يُعد شيرشيل مهندس الشرق الأوسط حين كان وزيراً للمستعمرات وهو من رسم الحدود بين الدول العربية بشكلها الحالي بعد سقوط الدولة العُثمانية. وقد تلاحظ أن الحدود بين الكثير من الدول العربية قد رُسمت بخط مستقيم، لكن الحدود بين السعودية والأردن حين الاقتراب من ميناء العقبه تبدو بتضاريس متعرجه، قيل أن السبّب في ذلك أنّ شيرشيل قد عطس وهو يرسم الحدود وحين قال له مساعده لما لا تقوم بالرسم من جديد قال له لا يوجد لدي مزيد من الوقت. وفي رواية أخرى أن بعض القبائل العربية في المنطقة طلبت من الإنجليز ابقاء أراضيهم داخل السعودية فتم اجتزاء أرضٍ من الأردن وتعويضها في مكان آخر.
مصطلح الشرق الأوسط الجديد
لم تكتفي القوى العظمى بتقسيم المنطقة العربية ونهب ثرواتها وإشعال ضغائن الحروب والطائفية، أصبح من الضرورة بمكان بفرض سياسة جديدة يتم من خلالها قبول الدولة الإسرائيلية المعزولة عربياً منذ إنشائها، عبر إنشاء علاقات دبلوماسية واقتصادية معها وكسر عزلتها مع الدول العربية. في الشرق الأوسط القديم وبالرغم من وجود أنظمة قمعية حاكمة للمنطقة العربية إلا أن تلك الأنظمة لم تكن تجرؤ على إقامة علاقات مع الكيان الإسرائيلي المُحتل للأراضي الفلسطينية.
لكن بدأ الإعداد جيداً لهذا الشرق الأوسط الجديد، عبر احتلال العراق للكويت لتشكيل ذريعة لتدميره وتقسيمه طائفياً وإضعاف الخليج العربي أمام إيران، هذا سيجعلها تتجه لأمريكا وإسرائيل لإبعاد المد الشيعي عنها. في المقابل تقلص الدعم لمنظمة التحرير الفلسطينية التي لم تكن تقاتل أصلاً منذ انسحابها من لبنان، ولهذا اتجهت لإقامة محادثات سلام مع إسرائيل مدعومةً بتأييد عربي ظهر جلياً في مؤتمر مدريد. وقعت المنظمة اتفاقية سلام مرحلية مع إسرائيل، بقية مرحلية لم تنته لشيء يذكر حتى لحظة كتابة هذا المقال. محادثات السلام تلك فتحت النافذة لبدء قبول إسرائيل عربياً.
ومع تمدد الإعلام الغربي متحدثاً بلسانٍ عربي من خلال قنوات التلفزة الأوروبية والأمريكية الناطقة بالعربية، ومواقع التواصل الإجتماعي واستغلالها للتغلغل عبر الفكر العربي والتمهيد لقبول إسرائيل كشريك في منطقة الشرق الأوسط ووصفها بأنها الأقوى ولها اليد الطولى علمياً واقتصادياً وعسكرياً. هذا كله أحدث نوعاً من القبول العربي، فموقع الناطق باسم الجيش الإسرائيلي على موقع فيسبوك بالعربية يتابعه ما يزيد على نصف مليون مستخدم.
الكثير من المعارضين للعلاقات مع إسرائيل يتم قمعهم وعزلهم وحتى يتم قمع وعزل دول لعدم قبولها بإنشاء علاقات مع إسرائيل، وكذا مواقع التواصل الاجتماعي التي تتهم الكثير من مستخدميها المؤيدين للقضية الفلسطينية بالتحريض على إسرائيل وتقوم بإلغاء اشتراكاتهم.
شكَّلت الثورات العربية، التي وصفت بالربيع العربي خطراً على الأنظمة القمعية ولكن خطرها كان أكبر على الوجود الإسرائلي في المنطقة، ولهذا تم قمعها في بعض الدول وفي دول أخرى تم إفسادها عبر الطائفية أو المال.
خلق الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة العربية أصبح من السياسات الضرورية للقوى العظمى لتبقى تدير المنطقة وتحمي أمن واستقرار إسرائيل. وإقامة علاقات سلام اقتصادي وتعاون عسكري مع دول عربية لها موقع جيوستراتيجي أو غنية مع إسرائيل من أجل ازدهار الأخيره.
المراجع
- العرب ومخاطر الشرق الأوسط الجديد، د. علي عبد فتوني، الفارابي، بيروت 2014.
- ونستون تشيرشيل، ويكيبيديا، تم استرجاع الصفحة في 26-11-2020.
- الشرق الأوسط وصراع العولمة، يحيى أحمد الكعكي، دار النهضة العربية، 2002.
- فيسبوك يجمد حسابات صحفيين فلسطينيين، الجزيرة الإنجليزية، تم استرجاع الصفحة في 26-11-2020.