تقوم الكثير من الشركات بتغيير أسمائها في حالة اندماج أكثر من شركة في كيانٍ واحد، مثال على ذلك مجموعة زين المتخصصة في مجال الاتصالات التي حملت هذا الاسم منذ العام 2007 من رحم شركة “إم تي سي”. وأحياناً تعمل إعادة التسمية على عزل النشاط التجاري الخاضع لقيود تنظيمية متزايدة. تغيير الاسم قد يكون مرتبطاً أيضاً بسوء صورة العلامة التجارية. لكن ما الذي دفع فيسبوك لتغيير اسمها؟
وفقًا لتصنيف قيمة العلامة التجارية السنوي لشركة “إنترباند”، تراجعت علامة فيسبوك التجارية إلى المركز الخامس عشر في تشرين الثاني/أكتوبر 2021، بقيمة تقديرية للعلامة التجارية تبلغ 36 مليار دولار أمريكي. كانت آخر مرة احتلت شركة فيسبوك المرتبة 15 في عام 2016، قبل أن تصل إلى المركز الثامن في عام 2017. وفي الوقت نفسه، وصلت قيم العلامات التجارية لشركة جوجل ومايكروسوفت وأمازون وأبل إلى ما بين 200 مليار و400 مليار دولار أمريكي.
أدى تسرب بيانات فيسبوك إلى كامبريدج أناليتيكا والكشف عن إلغاء فيسبوك برنامجها للنزاهة المدنية قبل الانتخابات الأمريكية الأخيرة من قِبل عالمة البيانات “فرانسيس هوغن” إلى إتلاف علامة فيسبوك التجارية. ربما الأهم من ذلك، أن هذه الفضائح زادت الضغط التنظيمي وخطر القيود المستقبلية على نموذج عمل المنصة. كل ذلك أدى إلى خسارة منصة فيسبوك مليون من المستخدمين النشطين بناءً على التقرير ربع السنوي لفيسبوك ما أدى لخسارة مؤسس المنصة مارك زوكربيرج حوالي 29 مليار دولار من ثروته في يومٍ واحد وذلك في الثالث من شهر شباط/فبراير الجاري، على إثر تراجع أسهم شركة ميتا المالكة لفيسبوك بنحو 25% أي ما يعادل 200 مليار دولار من قيمتها.
يعتمد أسلوب فيسبوك في جني الأرباح على قدرة الشركة على تقديم إعلانات دقيقة الاستهداف بناءً على بيانات المستخدمين. لكن أسلوب العمل هذا بدأ يواجه مشاكل مع الهيئات التنظيمية في العديد من الدول من أجل حماية بيانات المستخدمين بالإضافة إلى شركات تكنولوجيا حراسة البوابات الأخرى. شركات حراسة البوابات هي الوسيط بين المُستخدم ومُقدم الخدمة. فشركة أبل مثلاً وبدءاً من نظام التشغيل “آي أو أس 14.5″، جعلت من الصعب تتبع المستخدمين عبر التطبيقات، وذلك من خلال الطلب من المستخدمين بإذن صريح لتتبعهم من قبل الأخيرة.
ضعف قدرة فيسبوك على تتبع المستخدمين قلل من عوائد الإنفاق الإعلاني لعملائه، وبالتالي بدأ بالتأثير على عائداته. فيسبوك ليست الشركة الوحيدة المعنية بِتَعطُّل نموذج العمل هذا – فقد خانت أرباح سناب شات توقعات المستثمرين للربع الثالث من عام 2021 لهذا السبب أيضاً.
كيف سيصبح شعار ميتا شعبياً؟
يعتمد ما إذا كانت ميتا ستبقى كعلامة تجارية على كيفية استخدام الشركة للاسم الجديد. على سبيل المثال، استحدثت جوجل شركة ألفابيت، كشركة قابضة وليست كعلامة تجارية للمستهلكين. على هذا النحو، لم يصبح اسمًا مألوفًا. ستكون ميتا أقل شعبيةً إذا لم ترتبط بمنتج أو خدمة. يجب أن تصبح علامة تجارية ذات صلة بالمستهلكين لتنال الشهرة.
قام مارك زوكربيرج، مؤسس الشركتين فيسبوك وميتا، بربط اسم العلامة التجارية الجديد بخطته الإستراتيجية لإنشاء منصة ميتافيرس، التي أعلنت لاحقاً شركتي نايكي ومايكروسوفت عزمهما المشاركة في هذه المنصة.
تصف ميتافيرس رؤية لعالم افتراضي ثلاثي الأبعاد متصل، حيث يتم دمج العوالم الحقيقية والرقمية باستخدام تقنيات مثل الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) ومدعومة بالذكاء الاصطناعي لخلق واقع مُختلط. يمكن الوصول إلى هذه البيئة الغامرة من خلال استخدام سماعات رأس الواقع الافتراضي ونظارات الواقع المعزز وتطبيقات الهواتف الذكية. الهدف من الميتافيرس هو خلق عالم رقمي يقضي فيه المستخدمون أجزاء متزايدة من حياتهم. هذه مرحلة جديدة مهمة في العالم الرقمي.
من الأمثلة المبكرة على هذا العالم الافتراضي هو “الحياة الثانية”، وهي منصة رقمية تمثل عالماً افتراضياً بدأت في عام 2003. ينشئ المستخدمون صورًا رمزية (أي شخصيات على الإنترنت) للتفاعل مع الآخرين وكسب وإنفاق عِملة افتراضية. يتم استخدام العالم الافتراضي في الألعاب عبر الإنترنت وفي مجموعة متنوعة من المجالات الأخرى. ربما يستغرب القارئ حين يعلم أن عقاراً افتراضيا في هذه المنصة قد تم بيعه بمبلغ 2.4 مليون دولار.
أما في مجال الأعمال، تستخدم الشركات الاستشارية تقنية الواقع المعزز بغرض حل المشاكل التقنية في مواقع بعيدة. كما يلعب الواقع الافتراضي والمُعزز دور في مجال بيع العقارات وغيرها دون الحاجة للسفر.
لكن هل هناك مجالات أخرى سيجلبها لنا عالم الميتافيرس؟ وما هي مصلحة ميتا في الواقع الافتراضي؟ تعتمد الإمكانات التجارية على مقدار الوقت الذي يريد المستهلكون قضائه في الميتافيرس. قد يكون الأمر أكثر جاذبية مما يبدو الآن لأن التكنولوجيا ستتحسن لجعل الواقع الافتراضي وتفاعله مع العالم الحقيقي أكثر واقعية من أي وقت مضى.
مقارنةً بمنصة الحياة الثانية، تتمتع ميتا بفرصة أفضل لجذب المستخدمين. أولاً، تعد تقنية الواقع الافتراضي أكثر تقدمًا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشركة الاستفادة من قاعدة المستخدمين الكبيرة لفيسبوك وإنستغرام وواتس آب، حيث تطمح ميتا استخدام الميتافيرس لخلق نموذج أعمال قائم على الإعلان والتسويق.
كيف سيكون شكل الحياة والأعمال في الميتافيرس
الجميل في الميتافيرس أنك لن تحتاج إلى استخدام السيارة لزيارة مراكز التسوق، ما عليك سوى الولوج إلى هذا العالم مستخدما نظارات الواقع المعزز وبدء زيارة المجمعات التجارية، ستظهر وأنت تتجول على شكل رقمي مستخدماً صورًا رمزية (أفاتار) تختاره وتشتري له الملابس والإكسسوارات. كما ستساعدك موظفة المبيعات في عملية انتقاء البضائع واختيار الألوان وتستطيع الاستفسار عن كل شيء كأنك ذهبت إلى متجر حقيقي فأنت تتحدث مع أناس حقيقيين لكن في عالم افتراضي يحوي منتجات حقيقية ستصلك حين تشتريها. لربما نجد في المستقبل جامعات افتراضية وصفوف دراسية افتراضية مدعمةَ بالواقع المعزز.
أيضاً في عالم الميتافيرس قد نتحدث مع الناس ونجلس معهم في مقهى افتراضي ونناقش أمور حقيقية. لا شك بأننا سنستفيد كثيراً من هذا العالم فنحن لن نقوم بخلق أزمات مرورية ولن نلوث البيئة بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون نعيش حياتنا الافتراضية من غرفة المعيشة أو النوم في منازلنا.
الراحة بمصاحبة الواقعية هو مفتاح نجاح الميتافيرس. كلما سمحت لنا ميتافيرس بخلق بيئة واقعية تسمح لنا بالعمل والتعلم والتواصل الاجتماعي واللعب والاستهلاك والترفيه، كلما زاد الوقت الذي نقضيه فيها.
مِن المٌتصور أن تكون منصة ميتا – ميتافيرس عبارة عن عالم افتراضي يمكن الوصول إليه بسهولة من العديد من الأجهزة الذكية لزيادة “المشاركة” وتكثيفها، وهو هدف حاسم لشركات التكنولوجيا التي تستمد إيراداتها من التجارة الرقمية والإعلان.
ميتا تتنافس مع شركات التكنولوجيا الكبيرة الأخرى لجذب المستخدمين. ميتا / فيسبوك تجذب المستخدمين من خلال الشبكات الاجتماعية. جوجل تجذبنا من خلال البحث والترفيه على موقع يوتيوب. أما أمازون من خلال التسوق والترفيه. المفتاح هو جمع كميات هائلة من بيانات المستخدم – المورد الأكثر قيمة للتكنولوجيا – لتخصيص العروض بشكل أفضل، باستخدام أدوات التعلم الآلي المعقدة والذكاء الاصطناعي.
قد يجذب العالم الافتراضي المستخدمين بشكل كبير لدرجة أنهم سيقضون وقتًا أطول بكثير من الوقت الذي يقضونه على أي من المنصات الرئيسية اليوم. نظرًا لأن ميتافيرس ستعمل كواقع بديل، فقد لا يضطر المستهلكون أبدًا إلى المغادرة أو الرغبة في ذلك. على هذا النحو، قد يقومون بإنشاء بيانات مستخدم أكثر مما يمكن لأي من المنصات الكبيرة على الإنترنت جمعها حاليًا.
اقتصاد حارس البوابة
يمكن لـميتا استغلال قاعدة البيانات الضخمة هذه لاستهداف المستهلكين بدقة وإرسالهم إلى المتاجر الافتراضية. سيتعين على العلامات التجارية استئجار هذه المتاجر، تمامًا مثل العلامات التجارية التي تقوم باستئجار معارض في مراكز التسوق لأن هذا هو المكان الذي يقضي فيه المستهلكون وقتهم.
وبالتالي قد تصبح الميتافيرس عقارات لا غنى عنها، حيث يجب أن تتفاعل الشركات مع عملائها، سواء كانوا مستهلكين أو عملاء تجاريين. وقد تكون ميتا قادرة على التحكم في – وتحصيل رسوم – وصول الشركات الأخرى إلى العملاء بشكل أكثر شمولاً مما تمتلكه أي شركة تقنية كبيرة أخرى حتى الآن.
على هذا النحو، هناك فرصة جيدة لأن تصبح ميتا لاعبًا مهيمنًا في هذا الامتداد للفضاء الرقمي، مما يخلق واقعًا بديلاً يمكن للمرء أن يسميه “اقتصاد حارس البوابة”.
في النهاية، ستعتمد هيمنة ميتا كحارس على عنصرين. الأول، إذا نجحت منصة ميتافيرس في جذب المستخدمين بعيدًا عن المنصات المنافسة مثل يوتيوب وأمازون، فقد يتعين على شركات التكنولوجيا الأخرى إنشاء عوالم افتراضية خاصة بها أيضًا. سيتعين على هذه الشركات بعد ذلك التنافس على جذب المستخدمين بمقاييس أكثر واقعية وإغراء خاصة بها.
أما العنصر الثاني، هو القيود التنظيمية التي ستواجهها شركة ميتا. فالهيئات التنظيمية في العديد من الدول يجب أن تدرس الاحتياجات التنظيمية للعوالم الافتراضية حيث ستؤثر على النشاط الاقتصادي والاجتماعي.
يبدو أن الاقتصاد المقبل سيعتمد بحد كبير على هذه العوالم الافتراضية فمن كان يعتقد قبل عشرة سنوات أنَّ وحدة بتكوين ستتجاوز اليوم الأربعين ألف دولار. وقد ينقذ هذا العالم ميتا من الغرق بعد فقدانها هذا الكم من قيمتها السوقية.