السلاجقة

تاريخ لا توجد تعليقات

في ذي الحجة سنة 422 هـ، توفي الخليفة العباسي القادر بالله عن عمر يقارب سبع وثمانين سنة، بعد خلافة دامت إحدى وأربعين سنة وشهر. بويع بعده ابنه أبو جعفر عبد الله بعهد منه، ولقب بالقائم بأمر الله. في خلافته ابتدأت دولة آل سلجوق، وجد هذه العائلة يسمى دقاق، وهو من رؤساء قبائل الترك التي كانت تأتي من بلاد كشغر الواقعة في غرب بلاد الصين تباعاً. وُلد له سلجوق، وهو المؤسس الرئيسي لدولة السلاجقة، ولنجابته قدمه ملك الترك إذ ذاك واسمه يبغو، ثم تركه سلجوق وقصد بلاد الإسلام وأسلم هو وجميع من تبعه من رجال قبيلته، ونزل بجنده قرب بخارى وأخذ في غزو الكفار من الترك فعظم أمره وكثرت جنوده. خلف من الأولاد أرسلان وميكائيل وموسى، قتل منهم ميكائيل في الحرب، وخلف يبغو وطغرل بك وجغرو بك. ثم حصلت فتن بينهم وبين بغراخان ملك تركستان في ذاك العهد أدت إلى سفك الدماء.

لما عظم أمر السلجوقيين، خشى محمود الغزنوي من تعديهم على أملاكه فحاربهم وفرق قبائلهم بين خراسان وأصفهان. ثم اجتمعوا ثانية وحاربوه وانتصروا عليه وعلى ولده مسعود من بعده واستولوا على خراسان وخطب لهم على منابرها في سنة 431 هـ. في سنة 432 هـ، انتهز طغرل بك السلجوقي فرص الحروب الداخلية التي وقعت بين مسعود الغزنوي وأخيه محمد وابنه مودود، فاستولى طغرل بك على جرجان وطبرستان. في السنة التالية، أي سنة 434 هـ، ملك خوارزم وما حولها.

في أثناء ظهور ونمو دولة آل سلجوق بهذه الجهات، كانت الفوضى عامة في بغداد لقيام الفتن بين جنود آل بويه من الديلم والجيوش التركية. حتى عندما توفي جلال الدولة بن بويه في شعبان سنة 435 هـ، لم يتفق الجند على تعيين خلف له وبقيت دار السلام بلا حكومة إلى أن قبل أبو كاليجار بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة الإمارة وأتى إلى بغداد في صفر سنة 436 هـ. لم تطل مدة أبي كاليجار بل توفي في جمادى الأولى سنة 440 هـ بكرمان وتولى بعده ولده الملك الرحيم. في مدته، وقعت عدة فتن في بغداد بين السنة والشيعة أدت إلى حرق قبور بعض الخلفاء وأمراء بني بويه وقتل فيها خلق كثير لعدم إمكان الحكومة قمع الفتن.

في هذه الأثناء، عظم أمر طغرل بك السلجوقي فاستولى على أصفهان في محرم سنة 443 هـ، ودخل تبريز سنة 446 هـ، ثم قصد حلوان ونزل بها سنة 447 هـ. فراسله قواد الأتراك واستدعوه إلى بغداد باذلين له الطاعة فقبل، وقبل الخليفة، وخُطب لطغرل بك في 22 رمضان من هذه السنة. ثم دخل بغداد بمن أتى معه من جيوشه بعد أن أقسم للخليفة القائم وللملك الرحيم باحترام حقوقهم، لكن لم تلبث جيوشه بالمدينة حتى حصلت فتنة بينهم وبين جنود الملك الرحيم كانت نتيجتها القبض على الملك الرحيم وقواد جيوشه. بذلك انقضت دولة آل بويه بعد أن استمرت مدة ملكهم مائة وثلاث عشرة سنة من تاريخ دخول معز بن بويه بغداد في جمادى الأولى سنة 334 هـ، وابتدأت دولة آل سلجوق ببغداد. لتوطيد أقدامهم بها، زوج طغرل بك ابنة أخيه إلى الخليفة سنة 448 هـ وتزوج هو بنت الخليفة في شعبان سنة 454 هـ.

في سنة 450 هـ، ثار إبراهيم أخو طغرل بك على أخيه فحاربه وقتله. في أثناء اشتغاله بمحاربة أخيه، ثار بعض الجنود ببغداد تحت قيادة من يدعى البساسيري، فخرج الخليفة منها وخطب في الجوامع للمستنصر بالله الخليفة الفاطمي. لكن لم تدم هذه الحالة بل عاد طغرل بك إلى بغداد وأعاد الخليفة إليها وحارب البساسيري حتى قبض عليه وقتله في 8 ذي الحجة سنة 451 هـ. في رجب من هذه السنة، توفي داود بن ميكائيل بن سلجوق أخو طغرل بك صاحب خراسان، وتولى مكانه ابنه ألب أرسلان. ثم توفي طغرل بك في ليلة الجمعة 8 رمضان سنة 455 هـ عن غير عقب، وخلفه ألب أرسلان الذي صار حاكماً على خراسان والعراق والموصل وأصفهان وتبريز وغيرها من البلاد التي فتحها طغرل بك قبل وفاته. ثم أضاف ألب أرسلان إلى أملاكه بلاداً كثيرة، وأطاعه صاحب جند ويخاري وكذلك أصحاب ديار بكر وحلب. فتح مدينة الرملة وبيت المقدس وحاصر دمشق ولم يفتحها، وحارب قطلومش بن أرسلان بن سلجوق لعصيانه عليه، وقتل في الحرب، فخلفه ولده سليمان الذي أسس دولة سلجوقية بقونية استمرت إلى أن فتحها العثمانيون. استمر ألب أرسلان مالكاً لجميع هذه الجهات المتسعة إلى أن قتل في 11 ربيع الآخر سنة 456 هـ، وولى بعده ابنه ملكشاه. في 13 شعبان سنة 467 هـ، توفي الخليفة القائم بالله وكانت مدة خلافته خمساً وأربعين سنة تقريباً، وبويع عبد الله ابن ولده محمد ذخيرة الدين لوفاة ذخيرة الدين قبل أبيه القائم، ولقب عبد الله المقتدي بأمر الله وهو الثامن والعشرين من خلفاء بني العباس. ساس ملكشاه الأمور بغاية الحكمة وفتح البلاد شرقاً وغرباً وأقام ببغداد مرصداً فلكياً وجامعاً عظيماً سمي جامع السلطان. عظم في أيامه أمر الإسلام في الشرق حتى خطب باسمه من بلاد الصين إلى الشام ومن أقاصي بلاد الإسلام في الشمال إلى بلاد اليمن في الجنوب، وتوفي في نصف شوال سنة 485 هـ.

بينما كانت هذه الدولة الإسلامية ترتقي في درجات الكمال، كانت الدول الإسلامية في الغرب آخذة في الانحطاط فتفرقت بلاد الأندلس طوائف، وملك الإفرنج مدينة طليطلة. عبر يوسف بن تاشفين من مراكش إلى الأندلس وضم إلى رايته بعض ولاياته، وضعف حال المسلمين بجزيرة صقلية وتفرق أهلها واستحكم الشقاق بينهم حتى استعانوا على بعضهم بملوك الإفرنج. عندما توفي ملكشاه، أخفت زوجته خبر موته إلى أن استحلفت القواد لابنها محمود وعمره أربع سنين وشهور. أنكر عليها ذلك ابنه الأكبر بركيارق وحارب جنودها فهزمهم واستقر له الأمر وخطب له في بغداد يوم الجمعة 14 محرم سنة 487 هـ. في يوم السبت 15 منه، توفي الخليفة المقتدي بأمر الله وعمره ثمان وثلاثون سنة ومدته نحو عشرين سنة، وبويع بعده ابنه أبو العباس أحمد المستظهر بالله، وسنه ست عشرة سنة.

بعد موت ملكشاه، تفرق ملكه ولم يضم شتاته أحد من خلفائه بل ثارت بينهم الحروب الداخلية التي أدت إلى تجزئتها واستحواز كل فرد على جزء منها واستمرار الحروب بين الأمراء السلجوقيين الذين استقلوا ببلاد الشام والموصل والكرد وفارس وغيرها. ثار تتش أخو ملكشاه على السلطان بركيارق فقتل في الحرب في صفر سنة 488 هـ. بعد وفاته، وقع الخلف بين ولديه رضوان ودقاق ببلاد الشام، واستقل أخيراً كل منهما ببعض المدن. في محرم سنة 490 هـ، قتل أرسلان أرغول أخو ملكشاه الذي كان استقل بخراسان بعد موت أخيه، قتله بعض غلمانه، فاستولى بركيارق على بلاده وأقطعها لأخيه سنجر.

الحروب الصليبية

بسبب هذه الحروب المتواصلة وانقسام الحكومات الإسلامية على بعضها، طمع فيهم الإفرنج وعقدوا النية على محاربتهم محاربة دينية لاستخلاص مدينة القدس منهم. أتوا براً إلى القسطنطينية قاعدة مملكة الروم الشرقية واستولوا عليها، ثم عبروا البحر وأتوا إلى بلاد الشام وانتصروا في طريقهم على الأمير السلجوقي الذي كان مستقلاً بقونية وما جاورها وفتحوا مدينة أنطاكية في جمادى الأولى سنة 491 هـ، ثم دخلوا المعرة وحمص واستولوا أخيراً على مدينة القدس في ليلة الجمعة 23 شعبان سنة 492 هـ (15 يوليو سنة 1099 م) وولوا جودفروا الفرنساوي ملكاً عليها. في أثناء ذلك، كان ملوك آل سلجوق لاهين عن مقاومة الإفرنج بالحروب الداخلية العائلية، إذ ثار على بركيارق أخ له اسمه محمد وحاربه وهزمه، فهرب بركيارق إلى خراسان فحاربه أخوه سنجر وهزمه أيضاً فارتحل عنها قاصداً جرجان، وكان ذلك في خلال سنتي 492 و493 هـ.

في سنة 503 هـ، استولى الإفرنج على مدينة صيدا، وصالحهم أهل حلب وحماه على مقدار معين من المال. وفي 24 ذي الحجة سنة 511 هـ، توفي السلطان محمد السلجوقي وعهد بالسلطنة لابنه محمود. وفي 16 ربيع الآخر سنة 512 هـ، توفي الخليفة المستظهر بالله وبويع بعده ابنه أبو منصور فضل، ولقب بالمسترشد بالله. في خلافته، وقعت عدة حروب بين السلطان محمود السلجوقي وأخيه داود وبعض أعمامه، سفكت فيها دماء المسلمين، وتوطدت في أثنائها أقدام الإفرنج في جهات الشام، وأسسوا بها إمارات مسيحية في أورشليم وحمص وأنطاكية وطرابلس.

ثم وقع الخلاف بين الإفرنج لتباين مقاصدهم واختلاف أجناسهم بين نورمانديين وفرنسيين وألمان وإيطاليين وإنجليز، فضعفت سطوتهم رغم توارد الجنود إليهم تقودها سلاطينهم وأعاظم قوادهم. من جهة أخرى، ظهر في هذه الظروف عماد الدين زنكي صاحب الموصل، وأيد شوكته وسطوته في البلاد المجاورة له، واستولى على عدة إمارات إسلامية، ثم عزم على إخراج الإفرنج من بلاد الشام، فقصد أولاً مدينة حمص وفتحها عنوة سنة 532 هـ، واستخلص منهم أغلب بلاد الإسلام.

سقوط الدولة الفاطمية

ثم أرسل إلى مصر أحد قواده، واسمه أسد الدين شيركوه، بناءً على استنجاد شاور وزير الخليفة العاضد الفاطمي لمساعدته على خصومه الذين كانوا ينازعونه الوزارة. فأتى إليها شيركوه، وبعد أن هزم خصوم شاور، قتله في ربيع الآخر سنة 564 هـ، وتولى هو الوزارة، ثم مات وتولى يوسف صلاح الدين ابن أخيه نجم الدين أيوب. في 5 ربيع الآخر سنة 541 هـ، قتل عماد الدين صاحب الموصل، فخلفه سيف الدين غازي إلى أن توفي في أواخر سنة 544 هـ، فتولى بعده أخوه نور الدين محمود.

عندما مات العاضد في 10 محرم سنة 567 هـ، قطع صلاح الدين خطبة الفاطميين وصار هو سلطاناً على مصر وتلقب بالملك الناصر وخطب للخليفة العباسي. بذلك انتهت دولة الفاطميين بعد أن مكثت 271 سنة تقريباً، تولى الخلافة في أثنائها أربعة عشر خليفة. وصارت الخلافة للعباسيين بدون منازع، ولم تتفرق الخلافة إلى الآن وستبقى كذلك بفضل الله.

عندما توفي نور الدين زنكي في 11 شوال سنة 569 هـ، خلفه صلاح الدين على الشام والجزيرة وجميع البلاد التي كانت تابعة لنور الدين، واشتغل بمحاربة الإفرنج فانتصر عليهم في عدة مواقع، وأخذ منهم مدينة القدس، ودخلها في 27 رجب سنة 583 هـ (12 أكتوبر سنة 1187 م).

هذا ولنرجع إلى ذكر آل سلجوق فنقول إن السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه توفي في شوال سنة 525 هـ. وعين بعده ابنه محمود، فحاربه عمه مسعود، واستمرت الحروب بينهما مدة كان الفوز فيها لمسعود فملك بغداد. في 17 ذي القعدة سنة 529 هـ، قتل جماعة من الباطنية الخليفة المسترشد أثناء محاربة وقعت بينه وبين مسعود السلجوقي، وبويع بعده أبو جعفر المنصور ولقب بالراشد بالله، ولم يمكث في الخلافة إلا نحو سنة، ثم عزله السلطان مسعود في منتصف القعدة سنة 530 هـ، وبايع مكانه محمد بن المستظهر، ولقبوه المقتفي لأمر الله، وهو الثاني والثلاثين من خلفاء بني العباس.

في 25 رمضان سنة 532 هـ، قتل الخليفة الراشد بن المستظهر، وكثرت الفتن والقلاقل في خلافة المقتفي، وتفرق ملك السلجوقيين واشتغل أمراؤهم بمحاربة بعضهم، فاستقل الخليفة نوعاً ببغداد والعراق لعدم وجود من يزاحمه من السلجوقيين أو غيرهم. وبقي مرتاح البال بالنسبة لمن سبقه من الخلفاء إلى أن مات في فراشه في ثاني ربيع الأول سنة 555 هـ، وبويع بعده ابنه يوسف ولقب المستنجد بالله. في خلافته وخلافة أبيه، علا شأن آل زنكي واستخلصوا أغلب البلاد التي ملكها الإفرنج. وأتى صلاح الدين الأيوبي مصر كما مر وحارب الإفرنج وردهم عن سواحلها، وصار صاحب النفوذ الأوفر فيها.

في 9 ربيع الآخر سنة 566 هـ، توفي المستنجد، وبويع ابنه أبو محمد الحسن، ولقب المستضيء بأمر الله. اشترط عليه عضد الدين أبو الفرج الذي كان أستاذ دار أبيه أن يكون وزيراً له، وابنه كمال الدين أستاذ داره، والأمير قطب الدين أميراً للعسكر، فقبل المستضيء بذلك ووقع في حجرهم، وفقد ما كان لأبيه المستنجد، وجده المقتفي من بعض الحرية والاستقلال. في خلافته، انقرضت دولة الفاطميين في مصر بموت العاضد، وخطب للعباسيين بها في ثاني جمعة من محرم سنة 567 هـ، واستقل بها صلاح الدين بن أيوب ولم يترك للعباسيين سوى الخطبة. فتح شمس الدولة توران شاه بن أيوب أخو صلاح الدين بلاد اليمن. عندما توفي نور الدين في 11 شوال سنة 569 هـ، استولى صلاح الدين على أغلب بلاده وأقطعها لأخوته وأولاد عمومته. فتح كثيراً من البلاد التي ملكها الإفرنج حتى لم يبق لهم إلا مدينة القدس وبعض قرى صغيرة. في 2 ذي القعدة سنة 575 هـ، توفي الخليفة المستضيء وبويع ابنه الناصر لدين الله. في خلافته، استرد صلاح الدين الأيوبي أغلب البلاد التي كانت في يد الإفرنج، واستخلص منهم القدس الشريف ودخله يوم الجمعة 27 رجب سنة 583 هـ (12 أكتوبر سنة 1187 م). استمر على الفتح والغزو إلى أن مات بدمشق يوم الأربعاء 26 صفر سنة 589 هـ (3 مارس سنة 1193 م). بموته، تفرقت أملاكه وانفرط عقد انتظامها واستقل كل من أولاده وكانوا سبعة عشر بجزء منها، فاستقل بمصر الملك العزيز عماد الدين عثمان، واستقل الأفضل نور الدين علي بدمشق.

أُفول الأيوبيين

ضعف حال الإسلام بعدما بلغه من القوة أيام الناصر صلاح الدين الأيوبي، ثم وقع الخلاف بين أولاده وطمع كل منهم فيما في يد أخيه ولو بالحرب والقتال. اتحد العزيز صاحب مصر مع عمه العادل صاحب الكرك على محاربة الأفضل صاحب دمشق، فحاربوه وأخرجوه منها وبقي فيها العادل وعاد العزيز إلى مصر مكتفياً بالخطبة والسكة. ثم توفي الملك العزيز في محرم سنة 595 هـ، وخلفه ابنه الملك المنصور وكان عمره تسع سنين. لصغر سنه، ارتأى أمراء الدولة استدعاء أحد أمراء بني أيوب ليكون وزيراً له، فاختاروا الأفضل الذي كان صاحب دمشق، وكاتبوه فحضر مسرعاً، ثم قصد دمشق للانتقام من عمه الملك العادل واتحد مع أخيه الظاهر صاحب حلب على محاربة العادل، فحاصرا دمشق مدة، ثم وقع الخلاف بينهما وعاد كل منهما إلى بلاده. تبع العادل الأفضل وجيوشه إلى مصر وهزمه وأكرهه على الخروج منها وصار هو وزيراً للملك المنصور بن العزيز. ثم غدر بالمنصور وأخرجه من مصر سنة 599 هـ، واستقل هو بمصر ودمشق وما حولها. صار له أغلب بلاد أخيه الناصر صلاح الدين وبقي ملكه في ازدياد وشأنه في ارتقاء إلى أن توفي في 7 جمادى الآخرة سنة 615 هـ، وعمره خمس وسبعون سنة قضاها في محاربة الإفرنج وصد غاراتهم عن بلاد الإسلام. خلفه في مصر ابنه الملك الكامل، وفي دمشق الملك المعظم عيسى، وخلف من البنين ستة عشر ولداً غير البنات.

خيانة الملك الكامل وتسليم القدس للصليبيين

في 10 رمضان سنة 615 هـ (30 نوفمبر سنة 1218 م)، ضايق الإفرنج الصليبيون ثغر دمياط وفتحوه عنوة، وجعلوا الجامع كنيسة. فقام الملك الكامل ببناء قلعة حصينة بالقرب منها سماها المنصورة (وهي مدينة المنصورة مركز مديرية الدقهلية الآن) ليراقب حركات الإفرنج ويمنع تقدمهم داخل الديار المصرية. فلم يجسر الصليبيون على مهاجمتها ولبثوا ينتظرون المدد من بلادهم إلى أن ارتفعت مياه النيل في صيف سنة 618 هـ، فقطع المسلمون جسوره وطغى الماء على معسكر الإفرنج وحال بينهم وبين دمياط قاعدة أعمالهم. صاروا في ضيق شديد فأخذوا يخابرون الملك الكامل على أن يردوا إليه ثغر دمياط بشرط أن لا يفتك بهم، فقبل الكامل بذلك وسلمت إليه مدينة دمياط في 19 رجب سنة 618 هـ

 كان فريدريك الثاني يخطط لاستعادة القدس دون قتال، مستغلاً انشغال الملك الكامل بالصراعات الداخلية مع أخيه الملك المعظم عيسى (صاحب دمشق)، ورغبته في تحييد الصليبيين لتركيز جهوده ضد منافسيه المسلمين. وقد سلم الملك الكامل الأيوبي مدينة القدس للإمبراطور فريدريك الثاني (Frederick II) إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة (ألمانيا)، وذلك خلال المرحلة الثانية من الحملة الصليبية السادسة (1228–1229 م)، عبر اتفاقية سلام عُرفت باسم معاهدة يافا  في ربيع الآخر سنة 626 هـ / 1229 م.

ومن الجدير ذكره أن فريدريك الثاني كان مثقفاً متأثراً بالحضارة الإسلامية، وتفاوض بلغة دبلوماسية ذكية، بينما رأى الكامل في التنازل عن القدس (التي كانت مُهمَلة عسكرياً) وسيلةً لتحقيق استقرار مؤقت وقد وصف ابن المؤرخ ابن الأثير هذه الاتفاقية بالفعلة الشنعاء.

بنود الإتفاق

  • تسليم القدس للصليبيين مع احتفاظ المسلمين بحائط البراق وإدارة الأوقاف الإسلامية داخل المدينة.
  • شمل التسليم مدن بيت لحم والناصرة وصيدا.
  • هدنة لمدة عشر سنوات.

مع أن الملك الناصر صلاح الدين بذل النفس والنفيس في استخلاصها منهم سنة 583 هـ بينما سلمها الكامل هو إليهم غنيمة باردة ليحارب ابن أخيه وينتزع بعض بلاده منه. وبعد أن تم تسليم القدس إلى الإفرنج بهذه الكيفية التي تلحق العار بالملك الكامل مدى الدهر، وتسود صحائف تاريخه، جمع جيوشه حول مدينة دمشق واستولى عليها في جمادى الأولى، فتمت له أمنيته ونال بغيته بعد أن ضحى البلاد التي صرف صلاح الدين عمره في استخلاصها من يد الإفرنج. فانظر أيها القارئ إلى نتيجة الانقسام أمام العدو ونبذ الاتحاد والتضافر ظهرياً. ثم قضى الملك الكامل بقية عمره في محاربة إخوته وأقاربه. ومات في 21 رجب سنة 635 هـ، فعين الجند والأمراء بعده ابنه الملك العادل، فأتى إلى مصر لكن لم تطل مدته بل قبض عليه في 8 ذي القعدة سنة 637 هـ بدسيسة أخيه الملك الصالح أيوب. ووصل الصالح إلى مصر في 24 منه واستقر بها. واستمر الملك العادل مسجوناً إلى أن توفي سنة 645 هـ.

في هذه الأثناء، تقدم التتر في بلاد الإسلام وامتلكوا جميع بلاد فارس ووصلت طلائعهم إلى العراق. في 10 جمادى الآخرة سنة 640 هـ، توفي الخليفة المستنصر بالله أبو جعفر المنصور وبويع بعده ابنه أبو أحمد عبد الله ولقب المستعصم بالله، وهو الثامن والثلاثين من خلفاء بني العباس بعد عبد الله بن المعتز والسابع والثلاثين لو أسقط ابن المعتز من عدادهم. المستعصم بالله هو آخر من ولي الخلافة الإسلامية من العباسيين ببغداد. في خلافته، انتصر الصالح أيوب على الإفرنج قرب غزة سنة 642 هـ (سنة 1244 م) واستخلص مدينة القدس التي كان سلمها الملك الكامل إليهم سنة 626 هـ، فحولوا أنظارهم إلى القطر المصري. أتى إليه لويس التاسع ملك فرنسا ومعه جيش عظيم واحتل ثغر دمياط بدون كثير عناء في 21 صفر سنة 647 هـ (5 مايو سنة 1249 م). تحصن الصالح أيوب في المنصورة لردهم عن القاهرة. أثناء الاستعداد للقتال، توفي الصالح في ليلة الأحد 14 شعبان سنة 647 هـ، فأخفت زوجته شجرة الدر خبر موته إلى أن حضر من الشام ولده توران شاه الذي خلفه في ملك مصر. في أوائل محرم سنة 648 هـ (أبريل سنة 1250 م)، انتصر المسلمون على الإفرنج قرب المنصورة وأخذوا ملك فرنسا أسيراً مع كثير من أمراء الفرنساويين. حجز الملك في دار فخر الدين بن لقمان كاتب الإنشاء، ووكل به طواشي يسمى صبيح.

المراجع

  1. كتاب “الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث” من تأليف إسماعيل أحمد ياغي، 1995.
  2.  كتاب الكامل في التاريخ، من أقدم الزمان حتى سنة 628 هـ. لإبن الأثير.

Loading

اترك تعليقاً