النظرية النفسية التي تشرح سبب كونك أفضل حالًا عند العمل بمفردك
في عام 1913، لاحظ رجل يدعى ماكس رينجلمان شيئًا غريبًا في البشر. رينجلمان، وهو مهندس زراعي فرنسي، أخذ حبلًا وطلب من مجموعة من الأفراد سحبه مُنفردين.
ثم طلب من هؤلاء الأشخاص أن يشدوا الحبل معاً. لاحظ أنه عندما يجر الناس الحبل في جماعة، فإنهم يبذلون جهدًا أقل مما يبذلونه عندما يجرون الحبل بمفردهم.
هذه الظاهرة تسمى “تأثير رينجلمان” أو التَّراخي الاجتماعي (Social Loafing). يصف تأثير رينجلمان” ميل الإنتاجية الفردية للانخفاض مع زيادة حجم المجموعة. ولا يحدث ذلك فقط في ألعاب شد الحبل: إنه موجود في شركات مثل جوجل وفيسبوك/ميتا وفي معظم المؤسسات والشركات والأنشطة الجماعية، حيث تتوزع المهمة على أكثر من شخص فيقل شعور الفرد بالمسؤولية.
المجموعات الأكبر تُقلل المسؤولية الشخصية
من المَعلوم أنّ المجموعات الأكبر تنجز أكثر. لقد تم تكليفنا بمشاريع جماعية في المدرسة، ونُمارس الرياضة مع فريق، وننشئ فرق عمل لتحقيق أهداف كبيرة في العمل. يبدو من المعقول الاعتقاد بأن المزيد من الأشخاص سينجزون المزيد من العمل. وعمومًا، أقول إن هذا صحيح في معظم الحالات.
لكن في بعض الأحيان، يُثبت تأثير رينجلمان عكس ذلك.
لربما اختبرت ذلك التأثير في اجتماعات العصف الذهني، عندما تنتهي من الاجتماع وتفكر، “بعض الناس كانوا في الاجتماع ولم ينبسوا ببنت شفة” ذلك لأن عددًا كافيًا من الناس كانوا يتحدثون لجعل بقية أعضاء الفريق يشعرون وكأنهم يستطيعون الجلوس دون أن يلاحظهم أحد. لم يشعروا بالضغط للمساهمة، لأنه لم يدرك أحد بأنهم لم يساهموا.
كلما كبرت المجموعة، كان من الصعب تقييم الأداء الفردي. وعندما لا يلاحظ أحد ما تفعله أو لا تفعله، فمن الأسهل ألا تفعل شيئًا. سيتم الانتهاء من العمل، نعم، لأنه يجب على شخص ما القيام به. لكن ليس بالضرورة أن تكون أنت من قمت بالعمل.
نحن جميعًا معرضون لخطر التَّراخي الاجتماعي
هناك مصطلح بالإنجليزية يستخدم في المؤسسات الكبرى “الراحة والسترة” “rest and vest” وهو يحدث بين الموظفين في تلك الشركات، حيث سيحصل الموظفون على أسهمٍ بعد أربع سنوات يقضونها هناك – بنسبة 25% لكل عام. تسمى هذه العملية “بالاستحقاق”. إذن ماذا تفعل وأنت تنتظر أن تساوي أسهمك شيئًا ما؟ حسنًا، يمكنك إما العمل بجد لتطوير المؤسسة، أو الراحة والانتظار لتحصيل الأسهم. هذا يعني الاسترخاء والقيام فقط بالحد الأدنى من العمل المطلوب. كلما كانت الشركة أكبر، كان من الأسهل التحليق تحت الرادار.
يظهر تأثير رينجلمان خارج مكان العمل أيضًا. هل حضرت يوماً حفلاً أو ندوةً أو مباراة؟ هل قمت بالتصفيق؟ حين صفقت هل شعرت أن تصفيقك بشدة أو بهدوء لن يحدث فارقاً بينما أنت بين حشدٍ من الناس؟ لهذا السبب فإن كثيراً من الناس لا يصفقون، لأنهم يعتقدون أن ذلك لن يحدث فرقاً.
حدثت جريمة اهتزت لها مدينة نيويورك في الولايات المتحدة في عام 1964 حيث تم طعن كيتي جينوفيزي حتى الموت. الغريب في الحادثة أن كيتي تم طعنها على مرأى جيرانها الذين لم يهبوا لمساعدتها. لقد تواجد حوالي سبعة وثلاثون من الشهود الذين شهدوا الحادثة أو سمعوا عن الهجوم ولم يستدعي أحد منهم الشرطة. وأثار هذا الحادث أبحاث أصبحت تعرف باسم تأثير المتفرجين أو “متلازمة جينوفيزي” لكنها أيضاً على علاقة بالتَّراخي الاجتماعي.
هل تعلم أنك تعاني من تأثير رينجلمان؟
قد نعايش بعض الكسالى في حياتنا، ربما في بيئة العمل أيضاً، لكن معظمهم لا يتراخى بالضرورة عن قصد. عندما نذهب للعمل نادراً ما نخرج عن سياق أعمالنا اليومية، نقوم بأداء مهامنا اليومية والرد على الرسائل الإلكترونية، ويمكنك ملء الجدول الزمني الخاص بك. ولكن ما لم يتوقع رئيسك أو فريقك شيئًا منك على وجه التحديد، ما مقدار العمل الذي تنجزه بالفعل؟ ماذا تنجز؟
التأثيرات الدائمة للتَّراخي
قد يبدو تأثير رينجلمان صغيرًا في اجتماع واحد، لكنه ضار لإنتاجية الشركة. عندما يتراخى الأشخاص داخل الفريق، تتغير ديناميكية المجموعة: تكون المشاريع أقل كفاءة، والمسؤوليات غير متوازنة، والموظفون الآخرون مرهقون وغير سعداء. العمل بأكمله يعاني، وكذلك كل شخص معني. ألا يذكرنا هذا بتوزيع باريتو؟
بالضرورة تأثير رينجلمان سيؤثر على الموظفين أصحاب الكفاءة العالية إذا لم يتم تمييزهم بناءً على مجهودهم. لكن ماذا عن المتراخين؟ الجانب الإيجابي أن المتراخين يحضرون الاجتماعات ويقومون ببعض الأعمال ويقبضون راتبهم.
الجانب السلبي هو أنَّ المتراخي لن يكون أول شخص يتبادر إلى الذهن عندما يأتي مشروع جديد. لن يتم تكريمه أو مكافأته على عمله في هذا المشروع. إنه لا ينمو في حياته المهنية، ولا يتعلم مهارات جديدة، ولا يُظهر قيمته. وهو بالتأكيد لا يجد الرضا في الحد الأدنى من العمل الذي يقوم به. ولهذا، نشعر بالأسف على الشخص المتراخي. فهو تقريباً غير موجود.
وإذا كنت تعاني من تأثير رينجلمان في مكان عملك، سواءً كنت أنتَ المتراخي أو تُغطي على شخص آخر متراخي، فيجب أن تجد حلاً.
حجم المجموعة المثالي
هناك أوقات يكون فيها وجود وجهات نظر مختلفة ومجموعة متنوعة من المهارات في المشروع أمرًا ذا قيمة. وأحيانًا يكون العمل كثيرًا جدًا بالنسبة لشخص واحد. لذا فإن السؤال هو: ما هو حجم المجموعة المثالي؟ وعندَ أي نقطة تبدأ الإنتاجية في التناقص في مجموعة؟
كثير من الناس، مثل الرئيس التنفيذي لشركة أمازون جيف بيزوس، يستخدمون “قاعدة فطيرتي البيتزا“: إذا لم تتمكن من إطعام المجموعة فطيرتي بيتزا، فإن مجموعتك كبيرة جدًا. يقول دليل سكرَم، الذي يحدد نهج سكرَم الذي يركز على المجموعة في التنمية، أن الأداء الأمثل يحدث في مجموعات مكونة من 3 إلى 9 أفراد. على الرغم من ذلك، لاحظ رينجلمان أكبر انخفاض في الجهد بمجرد أن يعمل شخص واحد مع شخص أو شخصين آخرين.
الحقيقة هي أن وضع شخص ما في مجموعة من أي حجم سيجعله أقل إنتاجية. لكن رفض العمل الجماعي كليًا أمر غير واقعي. إذن ما الحل؟
التَّحفيز والإدارة الرشيقة
هناك الكثير من النصائح لأصحاب الأعمال أو المديرين الذين يحاولون منع تأثير رينجلمان في شركتهم. أحد الاقتراحات هو مواجهة تأثير رينجلمان بميل اجتماعي آخر يسمى التَّيسير الاجتماعي. علينا استخدام تقنيات مثل لوح كانبان، حيث يستطيع كافة أعضاء الفريق رؤية المهام الملقاة على عاتق كل فرد في الفريق ومن ثمَّ فإن المميزين والمنجزين سيظهرون وسيصبح الجميع تحت تأثر الرغبة في البقاء والمنافسة لأن كل الأعمال والمهام واضحة في العلن..
تتضمن التوصيات الأخرى جعل الأفراد يشعرون بأنهم لا غنى عنهم – مثل نجاح المشروع يعتمد عليهم – تحديد أهداف محددة لكل شخص يمكن قياسها على مدى المشروع، أو خلق منافسة بين أعضاء الفريق.
كيف أكون مفيداً؟
عندما تسأل نفسك كيف يمكنك أن أكون مفيدًا، تصبح على الفور أكثر وعياً بالاحتياجات من حولك. ترى أين توجد العيوب وتجد طريقة لوأدها. يحفز السؤال عقلك ويحول أفكارك من “حسنًا، بالتأكيد سيجد شخص ما حلاً” إلى “كيف يمكنني المساعدة في إصلاح هذا؟”.
في بعض الأحيان، لا تندرج الإجابة على هذا السؤال ضمن الوصف الوظيفي أو مجال خبرتك. في بعض الحالات، قد تكون أكثر فاعلية من خلال صنع قدر من القهوة الطازجة للفريق بدلاً من تبديد الأفكار. في تلك الأوقات، اصنع القهوة. في أوقات أخرى، قد تقنع نفسك أنك ستكون أكثر فائدة من خلال السماح للآخرين بقيادة المحادثة. إذا كان الأمر كذلك، فقم بتدوين الملاحظات. شارك بأفكارك بمجرد أن يكون لديك بعض الوقت للتفكير فيها خارج المجموعة. ثم أرسل ملاحظاتك إلى الفريق وحدد مدى ملاءمتك للخطوات التالية.
عندما تختار أن تكون مفيدًا، فإنك بذلك تتعارض مع تأثير رينجلمان. فتأثيرك على بيئتك أكثر إرضاءً من التعامل مع آثارها. وكما قال الفيلسوف الصيني كونفوشيوس “بدل أن تلعن الظلام، أوقد شمعة”
قد يكون من السهل الجلوس وترك الآخرين يقومون بالعمل، لكن الحياة السهلة ليست حياة سعيدة.