يزيد بن عبد الملك الخليفة أبو خالد القرشي الأموي الدمشقي، وأمه هي عاتكة بنت يزيد بن معاوية ولد سنة إحدى وسبعين للهجرة وكان أبيض جسيما جميلا مدور الوجه لم يتكهل.
غرامه لحبَّابة
كان يزيدُ بن عبد الملك يُحبُ حَظِيَةً مِن حَظاياه تُدعى: حَبَّابة واسمها العالية، وكانت جميلةً جدًا، وكان قد اشتراها خلال ولاية أخيه سليمان بن عبد الملك الخلافة بأربعة آلافِ دينار، من عثمان بن سهل بن حُنيف، وقد أولِع بها، وانشغل بها عن سائر أعماله.
وقد وصل أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك أمر يزيد مع جاريته، فقال سليمان: “لقد هممتُ أحجُرُ على يزيد”. وحين وصل الأمرُ ليزيد وعَلم غضب أخيه من ولعه بتلك الجارية، قام ببيعها.
فلما أفضت إليه الخلافة بعد وفاة الخليفة عمر بن عبد العزيز، حيث كان سليمان قد أوصى بخلافة يزيد بعد عمر بن عبد العزيز، سألته زوجتهُ سعدَةُ يومًا: يا أمير المؤمنين، هل بقي في نفسك من أمر الدنيا شيء؟ فأجاب: نعم، حَبَّابة. حيث بقي مفتوناً بجمالها عاشقاً لها.
فقامت زوجته، بالبحثِ عنها وشرائها له. فألبستها وكستها وجمَّلتها وأجلستها من وراء ستارة، فلمَّا جاءها أميرُ المؤمنين يزيد بن عبد الملك سألته زوجتهُ مرةً أُخرى: يا أمير المؤمنين، هل بقي في نفسك من الدنيا شيء؟ قال: أوَ مَا أخبرتُك؟ فقالت: فهذه حَبَّابة. وأبرَزَتها له، وأخلتهُ بها، وتركته وإياها، فحَظيت الجارية عنده، وكذلك زوجتُه أيضًا.
وفاة حبَّابة
فقال يوما: أشتهي أن أخلو بحبَّابة في قصرٍ مدةً من الزمن لا يكون عندنا أحد. فاحتجب عن الرعيةِ ومصالح الدولةِ واختلى بحبَّابة في قصرٍ منيب. كانت حبابة بديعة الحسن والجمال مُجيدةً للغناء، وقد عاتبهُ أخوه مَسلمة من شغفه بها وتركه مصالح المسلمين.
وبينما هو يداعبها، رَماها بحبةِ عنب وهي تضحك، فشرقت بها فاختنقت وماتت، والله أعلمُ بالرواية الصحيحة. فمكث أياماً قبل أن تُدفن وهو يقبِّلها ويرشفها وهي ميتة، حتى أنتنت وتعفَّنت، فأمر بعد ذلك بدفنها، فلما دفنها أقام أياماً عند قبرها هائمًا ألماً حزيناً، ثم رجع إلى قصره، وقد أنشد الأبيات التالية عند قبرها:
فإن تسْل عنكِ النَّفسُ أو تدَعِ الصَّبا…. فباليأسِ تَسلو عنك لا بالتَّجلُّدِ
وكلُّ خليلٍ زارني فهْو قائلٌ…. مِن أجلِكِ هذا هامَةُ اليومِ أو غدِ
وقد ورد في كتاب “الأغاني” نقلاً عن المدائني، أن الشوق إلى حبابة قد غلب يزيداً بعد دفنها بثلاثة أيام، فأمر أن ينبش قبرها لينظر إليها نظرة أخيرة، ولما رآها قد تغيرت إلى حالة بشعة قال له أتباعه: يا أمير المؤمنين اتق الله، ألا ترى كيف صارت؟ فقال: ما رأيتها قط أحسن منها اليوم، أخرجوها.
فجاء أخوه مسلمة مع نفر من الناس وألحوا عليه حتى عدل عما هو فيه وأمر بإعادة دفن حبابة.
ثم بقي في قصره حتى توافه الله، بداء السُّل، وذلك بعد حوالي أربعين يوماً من وفاةِ جاريته في إربد (الأردن) ولا يعرف إن نقل ودفن في دمشق، وذلك عام 105 للهجرة الموافق ل 724 للميلاد.
في الحُكم
بينما كان الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز على فراش الموت، كتب إلى خلفه يزيد بن عبد الملك:
“سلام عليك أما بعد فإني لا أراني إلا لملبي، فالله الله في أمة محمد فإنك تدع الدنيا لمن لا يحمدك وتقضي إلى من لا يعذرك والسلام”، فلما بلغ كتابه يزيداً قال: “والله ما عمر بأحوج إلى الله مني”. فسار على نهجه 40 يوماً ثم عدل عن ذلك.
حكم يزيد بن عبد الملك أربع سنواتِ فقط، وقد كان عهده عهد فتوحات أعظمها تلك التي قادها الجراح الحكمي في بلاد ما وراء النهر، كما كان من أصحاب المروءات، إلا أنه يؤخذ عليه إفراطه في طلب الملذات، خصوصاً عندما هام بعشق جاريته حبابة.
طعن في الرواية
هناك من طعن في هذه الرواية من المؤرخين واتهموا العباسيين بتضخيم الأمر من أجل الحصول على مكاسب سياسية تؤهلهم للإستيلاء على الخلافة.
المراجع
- سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي، يزيد بن عبد الملك.
- تاريخ الطبري، الجزء السابع صفحة 23-24.
- مختصر تاريخ دمشق الجزء السابع ص298.