صـــوت صفير البلبلي **** هــيّـج قلبـي الـدم لـي
قصة قصيدة عجز عن حفظها الخليفة المنصور
هذه قصة حدثت في عهد الخليفه المنصور وكان الخليفه يقيم مجلس للشعر والشعراء واشترط على الشعراء أن يأتوا بقصــــــيده لم يسمعها قط ويعطيهم وزنها ذهب.
وكان الخليفه ذكي يحفظ القصيده اذا سمعها من أول مره وكان عنده غلام يحفظ القصيده اذا سمعها من ثاني مرة وعنده جاريه تحفظ القصيده اذا سمعتها من ثالث مرة فكان كل مرة يأتيه شاعر ويلقي قصيدته يقول الخليفه إنها قصيدة قديمه وانا سمتعها واحفظها وقام الخليفه وألقى القصيده له فالشاعر متفاجئ لم يصدق قال الخليفه لم تصدق نادوا على الغلام وجاء الغلام وقال الخليفه هل سمعت هذه القصيده قال نعم سمعتها وقام وألقى القصيده أمامهم والشـاعر لم يحرك ساكنا فقال الخـــــليفه نادوا على الجاريه فقال للجاريه هل سمعتي هذه القصيده قالت الجاريه نعم وقامت وألقت القصيده فقال الخليفه للشاعر إذا فأنت تسرق الأشعار اخرج ولا ترجع لي فكان كل ما يأتيه شاعر عمل الخليفه نفس الفعل حتى لا يعطيهم الذهب فالشعراء أفلسوا وكان ترا رأس مالهم ألسنتهم.
وفي يوم من الايام عندما كان معظم الشعراء جالسين مجلسهم دخل عليهم الأصمعي وقال مابكم هكذا فأخبروه بالقصة وقالوا كلما نعد قصيدة بالليل ونأتي لنعدها للخليفه نجده حافظا لها هو وغلامه وجاريته فقال الأصمعي: إذاً في الأمر حيلة.
فأعد قصيدته الشهيرة ودخل على الخليفة في مجلسه متنكرا واضاعا عباءة على وجهه حتى لا يعرفه أحد فقال للخليفة إن عندي قصيدة سألقيها عليك فقال الخليفة أتعرف الشروط قال نعم اعرفها قال فألقها علينا.
فألقاها الأصمعي قائلاً:
صـوتُ صَفــيرُ البـُلبـُلِ *** هَيـّـجَ قلــــبي الثّمِـــــلِ
المــاءُ والزهــرُ معـا *** مع زهـرِ لحـظِ المُقَــلِ
وأنتَ يا سيــــدَ لــي *** وسيـــدي ومـــــولى لي
فكـــم فكـــم تـَيّمُ لـي *** غُزيـّــلٍ عَقَيّـــــــقَلــــي
قطفتـهُ مـن وجنــةٍ *** مـن لثـمِ وردِ الخجـــــلِ
فقـــال : لا لا .. لا لا لا *** وقـد غــدا مُهــــرولِ
والخُـوذُ مالــت طربــاً *** من فعــلِ هذاَ الرَجُـــلِ
فولولــت وولولـت *** فلــي ولــي ، يـا ويــلا لي
فقلــتُ : لا تولــولي *** وبيّني اللــــؤلــــؤ لـــــي
قالت له حينــا كــذا *** انهـض وجِــد بالنُّقَـــــلِ
وفتيةٍ سقــوا نـَني *** قهــوةٌ كالعســـــلَ لــــــي
شَممّـتُهـا بـأنـَفي *** أزكــى مـن القَـرنفـــــــلِ
في وسطِ بستـانٍ حِلي *** بالزهـرِ والسرور لي
و العـود دن دن دنا لي *** والطبـل طب طبَ لـي
طب طَبِطَب،طب طَبِطَب *** طب طَبِطَب،طب طابَ لي
والسقف قـد سق سق لي *** والرقـصُ قد طابَ إلي
شـوى شتوى وشاهِ شو *** على ورق سُفرجَـلِ
وغـــردَ الغمـِر يصيـح *** ملَــلٍ فـــي ملَـــــــــــلِ
ولـو ترانـي راكــبٍ *** علـى حمـــارٍ أهـــــزَلِ
يمشـــي علـى ثلاثــةٍ *** كمشيــة العرَنجـِــــــلي
والنـاس ترجـم جَمَــلِ *** فـي الســوقِ بالقُـلقُـلَلِ
والكــلُ كعـكع كَعـي كــع *** خَلفـي ومـن حُويلَلي
لَكـن مشيـتُ هاربـــاً *** مـن خَشيـت العَقَنقَــــلي
إلـى لقـــــــــــــــاءِ مـلـكٍ *** مُعظــمٍ مُبجَــــــــــلِ
يأمـرُ لــي بخلعــةٍ *** حمـــــراءُ كالـدم دَمَلــــــي
أجــرُ فيهــــــــا ماشيـــــاً *** مُبَغـدِداً للذِيـَّـــــــــلِ
أنـا الأديب الألمعــي *** مـن حـي أرض الموصــلِ
نظِمـتُ قِطعــاً زُخرِفَت *** تُعجــِزُ الأدبُ لـــــــي
أقــول في مَطلعِهـــا *** صــــــوتُ صَفـــيرُ البُـلبُـلِ
وبعد ما انتهى الاصمعي من قصيدته حاول الخليفه أن يجمع شي من القصــــــــــــيده فلم يستطلع إلا صوت صـــــفير البلبلي وقال نادوا على الغلام قال: ياغلام هل تحفظ القصــــيده قال لا والله فقال: نادوا على الجاريه ياجاريه هل سمعت القصيدة من قبل قالت لم أسمعها من قط فقال الخليفه: يا أعرابي ما رزقك الا من عند لله هات ما كتبت عليه القصيده قال لقد كتبتها على لوح من الرخام وأريد من يساعدني على حمله وبعد وزنه للرخام اخذ الأصمعي كل ما في خزينة الدولة من ذهب من ثقل الرخام.
وبعد ماخرج الاعرابي قال أحد الجالسين في مجلس الخليفة والله إنه للأصمعي فقال الخليفة: إإتوني بالأعرابي فلما جاء قال للأعرابي أزل العباءة من وجهك فلما ازالها ظهر الأصمعي فقال الخليفه أعد الذهب فقال الأصمعي: أرجعها على شرط قال الخليفه: ما هو ؟؟ قال: أن تعطي كل شاعر اتاك ثمن قصيدته.