بقلم: أ.د نورة أحمد حامد الحارثي
التعريف:
أولا: تعريف أهل الذمة في اللغة: الذمة في اللغة تعني: العهد والأمان والضمان.
ثانيا: تعريف أهل الذمة في الاصطلاح : اختلف الفقهاء في تحديد من هم أهل الذمة، فمنهم من ذكر بأنهم اليهود والنصارى.ومنهم من توسع وذكر أن أهل الذمة هم المستوطنون في بلاد الإسلام من غير المسلمين.
سبب التسمية : لأنهم دفعوا الجزية فأمنوا على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وأصبحوا في ذمة المسلمين والجزية:هي تمثل مقدار زهيد يدفعه أهل الذمة يكفل لهم المسلمون بمقتضاها الرعاية والحماية من كل اعتداء داخلي وخارجي،وهي تجسد في الحقيقة مواصلة تنفيذ التزامهم بتنفيذ مقتضيات العهد وانسجامهم ضمن المجتمع الإسلامي.
معاملة المسلمين لأهل الذمة:
في العهد النبوي:
أعطى المسلمون العهود لأهل الذمة في فترات مختلفة، وهي وان لم تكن متحدة في الصيغة إلا أنها متحدة من حيث المضمون.وبما أن أهل الذمة من أهل دار الإسلام فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين فقد أثبتت الصلات، وتأسست على مجموعة من المبادئ والأحكام التي وضعها الفقهاء مستمدة من كتاب الله وسنة المصطفىr ذلك قوله :” من قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله حرم الله عليه الجنة”.فقد أرسى المصطفى r حقوق أهل الذمة في الإسلام وبين مالهم وما عليهم منذ وصوله المدينة بعيد هجرته والمتمثلة في كيفية التعامل مع اليهود ومن ثم مع النصارى سواء نصارى نجران أو نصارى الحدود الشمالية للجزيرة العربية.
في العهد الراشدي:
عمل الخلفاء الراشدون على إعطاء أهل الذمة حقوقهم، ومن ذلك الشروط العمرية التي وضعها الفاروق عندما فتح القدس بأن أعطاهم الأمان على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم مقابل دفع الجزية. والعهدة العمرية، وهي تعتبر وثيقة عالمية يفتخر الإسلام بها، كما أوصى أيضا خليفته من بعده بالعناية بهم، وهذه المعاملة اقتضتها صفة العضوية في الدولة الإسلامية، ولهذا تحدد مراكز أهل الذمة في التشريع الإسلامي على النحو التالي :
أولا : الحقوق التي يتمتع بها أهل الذمة في الإسلام :
- الأمان على أنفسهم ، وأموالهم، وأولادهم، وأعراضهم، وممتلكاتهم وحمايتها من الاعتداء الداخلي والخارجي 0 وهذا واضح منذ عهد الرسولr فقد عاهد نصارى نجران. والفاروقt أيضا عاهد نصارى أهل الشام ،واستمر ذلك خلال العصور الإسلامية المتعاقبة وسنورد مثال من العصر العباسي بأن الخليفة القائم بأمر الله أصدر عهد لأهل الذمة سنة 467هـ للجاثليق بن أيوشع يتعهد فيه بتوفير حمايته وأهل نحلته جميعا ، فيتكفل الإمام بتأمين حمايتهم وعدم تعرضهم لسب أو أذى وكثيرا ما كانت قوات الشرطة تقف إلى جانب أهل الذمة لتحميهم من تجاوز العامة كما حدث سنة 573 هـ.
- يحق لهم إقامة شعائرهم الدينية.
- الاستفادة من الخدمات العامة : فقد تلقوا العلاج في البيمارستانات كعامة المسلمين ورعوا مواشيهم ،وخيلهم في المراعي العامة.
- يحق لهم اللجوء إلى القضاء الإسلامي إذا تعرض أحدهم للظلم والعدوان.
- يحق لهم الإقامة الدائمة حيث يشاؤون في الدولة الإسلامية باستثناء الحجاز.
- ويحق لهم التنقل في الدولة الإسلامية للتجارة وغيرها بحرية تامة باستثناء مدينتي مكة والمدينة.
- يحق لهم ممارسة العمل الذي يريدونه إلا ما كان فيه مخالفة لأحكام الإسلام كبيع الخنزير والخمر في الأمصار الإسلامية، أما في المدن والقرى الخاصة بهم فلهم أن يمارسوا ذلك بحرية تامة.
- يخضعون إلى قوانينهم الخاصة بهم في جميع جوانب حياتهم ولا تنطبق عليهم أحكام الإسلام إلا في مادة المعاملات المدنية والمادة الزجرية كالقتل والزنا أما في المعاملات الأخرى فتطبق عليهم أحكام شرائعهم.
ثانيا الواجبات المفروضة على أهل الذمة:
هناك مجموعة من الواجبات ليست انتقاص لأهل الذمة وإنما هدفها تحقيق أمن المسلمين وحماية الطرفين،من الضرر ومن تلك الواجبات :
- أن لا يتعرض أهل الذمة لمسلم في ماله أو دمه أو عرضه ، أو يعينوا أهل الحرب أو يؤووا جاسوسا ، وأن لا يحملوا السلاح وأن لا يتقلدوا السيوف أو يكتموا غشا للمسلمين.
- أن لا ترفع منازلهم أعلى من منازل المسلمين حتى لا يشرفوا على منازل المسلمين.
- على أهل الذمة توقير المسلمين في مجالسهم ، وأن لا يمنعوا أحدا من أقربائهم من الدخول في الإسلام إذا أراد.
- يجب عليهم التزام الغيار ويكون بتمييز أهل الذمة من المسلمين في أربعة أشياء: لباسهم، وشعرهم، وركوبهم، وكناهم فمثلا اليهود لبسهم العسلي والنصارى لبسهم الداكن وهذه من عادتهم ،وعليهم أن يجزوا شعورهم، ولا يفرقوا نواصيهم ،ولا يركبون الخيل ولهم ما سواها، ولا يتكنوا بكنى المسلمين كأبي القاسم ، ولهم أن يتكنوا بغيرها.
- يجب عليهم الوفاء بالالتزامات المالية المفروضة عليهم كدفع الجزية والخراج بالشكل المتفق والمنسجم مع مبادئ الشريعة، ومتطلبات الأراضي الزراعية.
ثالثا: مظاهر تسامح المسلمين مع أهل الذمة في العهد الأموي ونماذج من معاملة خلفاء بني أمية لهم:
أولا: الجانب الديني:
أ– التسامح الديني: ضرب الخلفاء الأمويين أروع الأمثلة في التسامح الديني مع أهل الذمة، أمثلة:
نضرب مثال بمعاوية بن أبي سفيان فقد كان يزور مقدساتهم المسيحية، وهذا يدل على تقديس تلك المقدسات، والتسامح معهم.
من مظاهر التسامح الأموي أن المسلمين لم يجبروا أحداً على اعتناق الإسلام بل الإسلام يقنن للحرية الدينية، وإن ما نعم به المسيحيين من تسامح ساعد على ممارستهم شعائرهم الدينية في أمن وسلام وبالتالي تأخر انتشار الإسلام بينهم .
ب – بناء الكنائس والبيع: انتشرت في أنحاء الدولة الأموية بناء الكنائس والبيع لممارسة أهل الذمة شعائرهم وطقوسهم الدينية فلم يتعرض الأمويون لهدم الكنائس والأديرة حتى في البلاد المفتوحة عنوة مع أن للمسلمين الحق في هدمها، وكانوا نادراً ما يعملون على هدمها ويحولوها لمساجد إلا أن يكون ذلك في عهد الصلح كان يشترط المسلمون أخذ بعض الكنائس مساجد أو استثناء مواقع محددة في المدن ليقيم عليها المسلمون المساجد طبعاً في البلاد المفتوحة صلحاً. بينما لم يسمح المسيحيون ببقاء الوجود الإسلامي في الأندلس وعملوا على اجتثاثه من جذوره.
المثال الأول: أحد عُمّال الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك بنى لأمه النصرانية كنيسة تتعبد فيها.
الخليفة الأموي: عمر بن عبد العزيز استمال النصارى بكل السبل فعوضهم عن كنيسة القديس يوحنا الذي بنى عليها الوليد الجامع الأموي فيها بكنيسة توما في الغوطة على الرغم من أنها حولت إلى جامع. وقد أظهرت الاكتشافات الأثرية في الأردن خاصة في مادبا بأن المسيحيين واصلوا استحداث الكنائس، ودور العبادة، والدليل وجود النقوش والزخارف الأموية الفسيفسائية بأرضيتها ككنيسة العذراء مريم.
ج-إشراف الدولة الإسلامية على الشؤون الدينية: بحكم الولاية العامة للمسلمين على غيرهم في دار الإسلام فقد خضع أهل الذمة للإشراف العام على شؤونهم الدينية، وتمثل ذلك في:
أولا: إشراف الدولة الأموية على أنظمتهم الكنسية:أشرفت الدولة الأموية على خلافاتهم المذهبية والعقدية وأنظمتهم الكنسية ، مثال ذلك:
- احتكم الموارنة واليعاقبة إلى الخليفة معاوية بن أبي سفيان فأدب اليعاقبة بدفع مبلغ سنويا يقدر 20 ألف دينار لضمان حماية الدولة لهم من اضطهاد الكنيسة الأرثوكسية.
- إشراف الدولة على تعيين البطريرك والأساقفة .فكان تعيين البطريرك يستدعي رضى الخليفة الأموي.
- أباحت الدولة لهم الذب عن دينهم والدفاع عن معتقداتهم.
- السماح لهم بإقامة محاكم خاصة بهم.
- السماح لهم بالاحتفال بأعيادهم الدينية.
ثانيا:سمحت الدولة الأموية بالحرية الفكرية لأهل الذمة، ونضرب مثالين:
السماح لأهل الذمة بالمشاركة في المجامع الكنسية التي تعقد في القسطنطينية وغيرها فقد وصل خمسة من نصارى الشام إلى كرسي البابوية خلال العصر الأموي.
سمحت لهم الدولة بالحرية الفكرية والجدل الديني فقد بدأ الحوار الديني بين المسلمين والنصارى في صورة حوار شفوي ثم تطورت وأصبحت تصانيف كتابية وأدبية وهذا له أصل في ديننا إذ يقول تعالى: ) ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي أحسن( والمتأمل للتاريخ يجد أن القرن السابع أو الثامن الميلادي بلغ ذروة الحركات والمذاهب الدينية المسيحية ومع بداية العهد الأموي اختفت تقريبا الجدليات اللاهوتية في الكنائس وحلت محلها دراسات فلسفية تاريخية، نضرب مثالين:
- المثال الأول: كان مجلس معاوية بن أبي سفيان مسرحا لكثير من المناقشات بين اليعاقبة والموارنة فمن المناظرات المشهودة تاريخيا مناظرة بين خالد بين يزيد بن معاوية ويوحنا الدمشقي وثيدور أبو قرة،وبولس الأنطاكي.
- المثال الثاني: نتيجة للحرية الفكرية التي شاعت في العهد الأموي ظهر يوحنا الدمشقي الذي يعتبر من مفكري عصره المشهودين بالمناقشات والناظرات، فهو من وضع الأساس للنصارى في مناقشة المسلمين في عقائدهم . فقد اعتمد على الجانب العقلي والديني للعقيدة المسيحية وهذا نوع من الحرية الفكرية الدينية في وقت كانت الهيمنة والسلطة فيها للمسلمين.
كان للجدل وحرية الرأي والتعبير التي تمتع بها أهل الذمة في العهد الأموي، آثار:
- أدى الجدل وحرية الرأي والتعبير التي تمتع بها أهل الذمةإلى تسرب المعتقدات الإسلامية إلى العقائد المسيحية واليهودية كالقول بوحدانية الله.
- أدى الجدل بحكم احتكاك المسلمين بأهل الذمة إلى ظهور بعض الفرق الإسلامية وإلى الرد على ذوي العقائد المخالفة للإسلام ، كما أدى إلى ظهور علم الكلام.
- أدت سياسة التساهل مع النصارى إلى إظهارهم الشعائر الدينية الممنوعة فقام الخلفاء الأمويون بتقويم تلك السياسة، ومنهم على سبيل المثال:
- الخليفة عمر بن عبد العزيز نهاهم عن دق الناقوس والترتيل بصوت مرتفع أثناء تأدية الصلاة.
- وأيضا الخليفة يزيد بن عبد الملك الذي خلف عمر فقد أصدر مرسوم سنة 102هـ بتكسير الأصنام، ومحو الصور، وكسر الصلبان، وهدم الكنائس وهو ناتج لحرمة الصور ذات الأرواح ويوحي بتجاوز أهل الذمة ما شرط عليهم في عهود الصلح كنتيجة للتساهل مع أهل الذمة وتمتعهم بصلاحيات دينية واسعة إلا أن هذه الأعمال لم تدم إذ انتهت بوفاة الخليفة يزيد بن عبد الملك.
ثانيا: الجانب الاجتماعي:
ألزمت العهدة العمرية الجانب المسيحي بتوقير المسلمين ومراعاة حقوقهم ومشاعرهم وشرط عليهم عدم التشبه بالمسلمين في الملبس، والمركب، والكنى، ونقش الخواتم بالعربية واشترط عليهم الاحتفاظ بهيئتهم وزيهم وألزموا بالغيار فاتسم التعامل الاجتماعي معهم في أمور عدة، منها على سبيل المثال:
- أ – الرعاية: عمل الخلفاء الأمويون على رعايتهم وتفقد أحوالهم وكفالتهم، وكان المسلمون يعودون مرضاهم، ويقدمون لهم التعازي والتهاني ، وكان أهل الذمة يزورون المسلمين ويجلسون على موائدهم ويسامرونهم، ويرافقونهم في حروبهم وأسفارهم. ونضرب على ذلك بثلاثة أمثلة:
- يزيد بن معاوية: كان يميل لهم لكون أمه مسيحية وكان يعطيهم الصدارة في قصر حكمه.
- عمر بن عبد العزيز: كان يجري على الشيوخ منهم من بيت مال المسلمين وكان يعين العاجز، ويسمح لهم بفداء أسراهم.
- الوليد بن عبد الملك: كان يحسن على المرضى، والمقعدين ، وأهل السبيل.
- ب – التعايش السلمي: قام الانسجام بين كافة الأطياف نتيجة اعتراف الإسلام بالديانات الأخرى واحترام الإنسان و حسن المعاملة فقد أرسى الرسولr المبادئ الأصولية للتعايش السلمي لكل الفئات التي تكون نسيج المجتمع الإسلامي.ونضرب مثال على ذلك هو أن هشام بن عبد الملك بنى دارا لإقامة البطريرك بجوار دار الخلافة وان اختلف في ذلك، ولعل الدافع يكمن في تأليفه أو لضمان ولائه وتحييده.
- ج- الزواج منهم: تزوج الخلفاء منهم ونضرب مثال: معاوية بن أبي سفيان تزوج ميسون الكلبية، أيضا تزوج ابنة عمها نائلة الكلبية.وأدت تلك المصاهرات إلى بناء علاقات اجتماعية وثيقة، وأصبحت هناك لغة مشتركة في التعايش الاجتماعي أدت إلى الاندماج والتفاعل.
ولكن ينبغي أن نشير إلى أن الأمر لم يكن متروكا دون ضوابط فإذا تجاوز أهل الذمة الحدود كان هناك نوع من العقاب فمثلا منع عمر بن عبد العزيز الاتجار بالخمر وعدم المجاهرة بشربها. وأيضا أمر عبد الملك بن مروان بذبح جميع الخنازير في أرجاء دولته.
ثالثا: الجانب الاقتصادي:
تورط كثير من الولاة في الاعتقاد بأن الجزية هي مورد ثابت لبيت المال مما جعلهم يخشون على بيت المال انخفاض هذا المورد عند اعتناق أعداد كبيرة من أهل الذمة الإسلام. وكان سليمان بن عبد الملك أول من تراجع عن السياسة الإصلاحية للحجاج بن يوسف المالية لمخالفتها للقواعد الشرعية. ذكر الطبري في أحداث سنة 99هـ أن الوالي الحراج والي عمر بن عبد العزيز أراد أن يحول بين أهل الذمة والإسلام حتى لا يتضرر بيت المال فكتب له عمر مخاطباً له:” ضع الجزية عمن أسلم فإن الله بعث محمدا هاديا ولم يبعثه جابياً” واتخذ عمر إصلاحات مالية واسعة النطاق لا يسع الوقت لذكرها.فالإسلام كفل لهم حقوقهم المادية،والأمثلة على ذلك متعددة، ولنضرب منها على سبيل المثال:
أ- الرفاهية: عاشوا في رفاهية وتمتعوا بهبات الخلفاء.
ب- التخفيف في دفع الجزية: المفروضة عليهم كما فعل عمر بن عبد العزيز فقد خففها على نصارى قبرص وأيلة ” العقبة ” ومنع الزيادة عليهم.
ت- جمع الثروات: وصل النصارى لمراكز اجتماعية وجمعوا الثروات الضخمة ومثال ذلك: أن اثناسيوس المسيحي استغل ثروته ومنصبه فتسلط على المسلمين وذلك في أثناء ولاية عبد العزيز بن مروان لولاية مصر.
رابعا: الجانب السياسي:
تمثل في:
أ- الوحدة السياسية: نتيجة لتسامح المسلمين اندمجت جميع العناصر وامتزجت كليا في المجتمع الإسلامي وتكونت عادات وتقاليد تعتبر قواسم مشتركة بينهما فاختلاف الدين لم يحل دون قيام وحدة سياسية.
ب- التأثير في السياسة للدولة الأموية: كان لكثير منهم دور كبير في توجيه سياسة الدولة الداخلية فأهل الذمة جزء لا يتجزأ من المجتمع الإسلامي.
خامسا: الجانب الأدبي و العلمي:
اهتم الأمويون بأهل الذمة والعناية بهم من ذلك:
- أن الأمويين قدموا الشاعر المسيحي الأخطل وأغدقوا عليه الأموال، وجعلوه شاعر بلاطهم وكان يزيد يعتمد عليه في الرد على أعداء بني أمية وهجومهم،أيضا كان الأخظل ذو حظوة عند عبد الملك بن مروان، فذكرت كتب التاريخ أنه في مرة من المرات قد استمع له ولم يستمع من جرير الشاعر المعروف.
- السماح لأهل الذمة بإنشاء المؤسسات العلمية كالكتاتيب والمدارس والمكتبات.
- اشتغل أهل الذمة بالترجمة وفي العلوم الفلسفية والطبيعية والأدبية.
- وظهر علماء من أهل الذمة في علم الكلام كيحي الدمشقي الذي يعتبر من أكبر علماء اللاهوت في الكنيسة الشرقية.
سادسا: الجانب الوظيفي:
أشرك الأمويون أهل الذمة في جميع وظائف الدولة كالوزارة وقيادة الجيش، ورئاسة الدواوين، ووكلاء ونظار للخلفاء والسلاطين في أموالهم وممتلكاتهم وعمال دور الضرب، ومنهم من عمل سفيرا سواء في سفارات داخلية أو خارجية لوزراء وكبار رجال الدولة. ولكن المجال الأميز هو الطب، وكتاب للدواوين 0الشواهد التاريخية على ذلك كثيرة ومتعددة منها:
أ- أن معاوية بن أبي سفيان : قرب إليه المسيحيين، واستعان بهم وأسند إليهم بعض الوظائف في المناصب العالية فكان سرجون بن منصور الرومي كاتبه وصاحب سره.كما اتخذ ابن أثال طبيبا له.
ب- في عهد يزيد بن معاوية: بقيت مكانته فكان يزيد يستشيره في الملمات وورث هذه المكانة لابنه يحي الدمشقي الذي خدم الأمويين زماناً ثم التحق بأحد الأديرة قرب القدس وألف الكتب اللاهوتية.
سابعا: الجانب القضائي:
ضرب الأمويون أروع الأمثلة في العدل، والإنصاف مع أهل الذمة ونستشهد بمواقف خليفتين هما:
الخليفة عمر بن عبد العزيز:
- أخرج من سكن من المسلمين في منازل أهل قنسرين لأنها فتحت صلحاً.
- رفع الظلم عن أهل الذمة ومن ذلك أنه ضرب أحد عمال البريد أربعين سوطا لأنه سخر دواب النبط لمصلحته.
- حمى النصارى من ظلم بعضهم البعض فقد حدث أن اتفق أحد الكهنة لسم البطريرك انبأسيماون فأوشك على الموت وسجن الكاهن حتى عفا عنه البطريرك.
الخليفة هشام بن عبد الملك:
حدث في عهد هشام بن عبد الملك أن رجلاً نصرانياً شج غلام لمحمد بن هشام بن عبد الملك فغضب والده من ذلك، وأرسل له غلاما فضرب النصراني. فلما علِم هشام ضَرب الغلام، وشتم ابنه انتصارا للنصراني.
إشارة سريعة وعابرة إلى ما تمتع به أهل الذمة في الأندلس في العهد الأموي
تمتع أهل الذمة في الأندلس بعهد بني أمية بحرية العقيدة، والتسامح التام، وأبقوا على كنائسهم، بل منحوهم بناء كنائس جديدة. وقد تأثر المسيحيون بالثقافة العربية والإسلامية نتيجة حتمية للتسامح الذي نعم به أهل الذمة، وتعربوا تعريباً أنساهم لغتهم اللاتينية، فقد تغلغلت حركة الاستعراب عند النصارى واهتم المستعربون بدراسة التراث العربي من أدب وشعر وفلسفة مما أدى إلى ردة فعل قوية عند المتعصبين أمثال ايولوخيا، وصديقه الفارو وكثر عندهم الغلو الروحاني حتى كثر انتحارهم بملئ إرادتهم. وتمتع اليهود بمكانة مرموقة، ويعتبر ابن ميمون من أكبر المفكرين اليهود في الأندلس في القرن الثاني عشر الميلادي.
الخاتمة
بقي أن نشير إلا أن الاضطهادات التي عانى منها أهل الذمة بين الحين والآخر على أيدي المتزمتين كانت من صنع الظروف المحلية العينية الفردية أكثر مما كانت عاقبة للتعصب وعدم التسامح فدوام الطوائف المسيحية في وسط إسلامي يدل على العدل والتسامح.
المراجع
- أحمد بن محمد ابن الأثير، الكامل في التاريخ،تحقيق: عبد الله القاضي،ط3، بيروت: دار الكتب العلمية،1418هـ-1998م .
- محمد بن جرير الطبري،تاريخ الطبري ” تاريخ الأمم والملوك”، بيروت: دار الكتب العلمية،1422هـ-2001م.
- ابن كثير، البداية والنهاية،توثيق: علي معوض، وعادل عبد الموجود، وضع حواشيه: أحمد ملحم،فؤاد السيد، علي عطوي، مهدي ناصر الدين،بيروت: دار الكتب العلمية،1421هـ2001م.
- عبد الرحمن بن علي الجوزي، سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد، تحقيق: نعيم زرزور، بيروت: دار الكتب العلمية، 1984م.
- عبد الرحمن بن خلدون، المقدمة،ط 5،بيروت: دار القلم، 1984م.
- شمس الدين بن عبد الله ابن قيم الجوزية، أحكام أهل الذمة، تحقيق: صبحي صالح، بيروت: دار العلم للملايين، د.ت.
- شمس الدين الذهبي،تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام، تحقيق: محمد حمدان، بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1991م.
- محمد رضا، الفاروق عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين، دمشق: دار الحكمة للطباعة والنشر.
- توماس أرنولد،الدعوة إلى الإسلام، ترجمة: حسن إبراهيم، عبد المجيد عابدين، إسماعيل النحراوي، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1970م.
- أحمد زكي صفوت، عمر بن عبد العزيز، القاهرة: دار المعارف، 1948م.
- أنور الرفاعي، الإسلام في حضارته ونظمه،ط3، دمشق: دار الفكر، 1406هـ-1986م.
- أ.س. ترتون، أهل الذمة في الإسلام، ترجمة: حسن حبشي، القاهرة: دار الفكر العربي، د.ت.
- عبد الله الشنبري،أهل الذمة ” رسالة دكتوراه ” غير منشورة، مكة المكرمة:جامعة أم القرى، كلية الشريعة قسم التاريخ، 1415هـ.
- عباس محمود العقاد، معاوية بن أبي سفيان في الميزان، ط3، بيروت: دار الكتاب العربي، 1966م.
- سيد قطب ، العدالة الاجتماعية في الإسلام،ط6، القاهرة:عيسى البابي الحلبي، 1964م.
- حسن الممي، أهل الذمة في الحضارة الإسلامية، تقديم: الشاذلي القليبي،بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1998م.
- علي الخربوطلي، تاريخ العراق في ظل الحكم الأموي،القاهرة: 1380هـ-1959م.
- جورج شحاتة، المسيحية والحضارة العربية، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
- شفيق يموت، أهل الذمة في مختلف أطوارهم وعصورهم، بيروت: الشركة العالمية للكتاب،د.ت.