د. مصطفى أبوصلاح
في زيارةٍ ربيعيةٍ قصيرةٍ إلى العاصمة الأردنية عمّان، وقد تزيّنت باللوز الأخضر، خرجتُ مع خالي للتسوق وأول ما لاحظته عدم اختلاف أزمة المرور بين شتاءٍ وصيف. فهذه المدينة تستضيف الكثير من اللاجئين والباحثين عن الأمن والعمل.
ونحنُ في طريقنا لأحد الأسواق كنا نستمع لإحدى الإذاعات المحلية، وكانت مذيعتان تتحدثان عن اللياقة البدنية وتخفيف الوزن. ما أثار حفيظتي هو حشو اللغة العربية بالكلمات الإنجليزية فما فتئت المذيعتان تتحدثان حتى بدأتا باستخدام كلمات انجليزية في كل جملة. كان الحديث باللغة العامية ومما سمعت على سبيل الذكر “عشان تخففي الويت تبعك” طبعاً الجملة تعني “حتى تخسري وزناً”.
كان يستفزني دائماً بعضُ المتغربين (المقلدين للغرب) وخلطهم العربية بالإنجليزية فاخترعوا لغةً جديدةً لا أحد يعرف لها أماً أو أباً. فهؤلاء باتوا لا يتقنون لا لغةً عربيةً ولا إنجليزيةً. استخدمت الكاتبة القطرية عائشة السعدي مصطلح “ثقافة العربليزي” على مشكلة خلط العرب لغتهم بكلمات إنجليزية.
أما وأن تُستخدم هذه اللغة اللقيطة على إذاعات محلية فهذا يدعو للقلق، فمنذ متى أصبح استخدام كلمات انجليزية أو أجنبية ثقافة؟ الموضوع لا يتوقف عند هذا الحد فالكثير منا ودون أن يلاحظ أخذ بالخلط أيضاً، فبدأنا نستخدم كلمات أجنبية أكثر فأكثر. على سبيل المثال أصبحنا نستخدم كلمات مثل الكمبيوتر، الإنترنت، السوشيال ميديا وغيرها على أنها كلمات مسلمٌ بها ولا تحتاج إلى أن نستخدم رديفها بالعربية.
ما يدهشني في اليونان التي تعداد سكانها لا يتجاوز ال 11 مليون نسمة وعدد المتحدثين فيها حول العالم كلغة أم لا يتجاوز ال 20 مليون نسمة، هو محافظتهم بقوة وإصرار على لغتهم حيث أن كل شيء يدرس باللغة اليونانية حتى الطب. لم أسمع خلال سنوات طوال عشتها في هذا البلد مذيعةً أو مذيعاً يُدخل ولو كلمةً أجنبيةً واحدة. حتى أنني على سبيل الدعابة قلت لصديق لي يوناني أنهم يستخدمون كلمة أوكي (Okay) كثيراً وهي شائعة في بلادنا، ضحك وقال لي هذه جاءت من اليونانية (Ολα Καλά) بمعنى كلّ شيء جيد.
ما الذي يحدث للغتنا الجميلة وثقافتنا الراسخة، لماذا نهين لغتنا العربية بهذا الشكل. هل من الممكن أن تقوم مذيعة في إذاعة أجنبية باستخدام العربية لتجميل حديثها أو لتظهر كمثقفة؟
من الضرورة بمكان أن يتحرك الجمهور وينتقد بشدة كل شيء يمس لغته الأم، فحين نسمع في الغربة لغةً عربيةً تتأجج المشاعر، فهل يعقل أن نعيش في الوطن ونخدش أحد أهم عناصر جماله وقدسيته.
الثقافة والحضارة هو أن نتقن لغتنا وأن نستخدمها ونجعل لها السطوة ونعلمها لأبنائنا، والمثقف هو كثير القراءة والحريص على ثقافته الأم لا على نقل وتقليد ثقافات أخرى. فالانفتاح على الحضارات الأخرى وتعلُّم اللغات الأجنبية فيه إثراء ثقافي وعلمي وتنوير فكري إذا ما حرصنا على أن نحترم ثقافتنا وحرمة مجتمعنا.
فقدان الحس بالانتماء والتقليد الأعمى للغرب والشعور بالنقص يؤدي إلى ضياع الهوية الثقافية وإلى غزو فكري ثقافي غربي سيطيح بكل ما هو جميل ومميز في مجتمعنا.
علينا نحن أن نمنع أيّ تشويه للغتنا العربية الجميلة، عبر عدم خلط الكلام وأن نتوجه إلى استخدام لغة سليمة. كما أن دور الأهل التربوي والتوجيهي للأبناء يلعب دوراً في صقل الجيل القادم.
اللغة العربية هي العنصر الأساسي لثقافتنا وضياعها أو تخريبها سيؤدي إلى تشويه الثقافة والمجتمع، لن نُصبح مثقفين أو ذَوو شأن إلا بأخلاقنا وعلمنا وعملنا.