النشأة
كان إسحاق نيوتن وحيد والديه أسحاق نيوتن وحنة آيسكو، وقد ولد يوم عيد الميلاد سنة ١٦٤٢، أي في السنة نفسها التي توفي فيها غاليليو. وقد توفي والده وهو في السابعة والثلاثين من عمره بعد أشهر قليلة من زواجه. وحسب إحدى الروايات تزوجت أمه ثانية قبل أن يبلغ السنتين من عمره: «كان يعيش في الحي نفسه أحد رجال الدين ويدعى السيد سميث، وكان موسراً أعزب على الرغم من تقدمه بالسن. وعندما نصحه أحد أعضاء رعيته بالزواج أجاب بأنه لا يعرف كيف يسعه أن يتعرف إلى زوجة فاضلة، فذكر الرجل له أن الأرملة نيوتن سيدة فاضلة للغاية. عندئذ ذكر السيد سميت أنه لا يعرف إن كانت تقبل به زوجاً ولا يرغب في مواجهة احتمال الرفض، ولكنه سيكافئه بأجر يومه إن هو ذهب إليها وسألها عن ذلك».
ذهب الرجل إلى السيدة وكان جوابها أنها ستطلب نصح أخيها آيسكو في الموضوع، فأرسل السيد سميث الرجل نفسه إلى أخيها، وقد توصل السيد آيسكو، بعد استشارة شقيقته، إلى اتفاق حول الزواج مع السيد سميث الذي سجل باسم ابنها إسحاق قطعة من الأرض. وكان هذا أحد الشروط الذي أصرت عليه الأرملة.
تزوجت السيدة نيوتن السيد سميث وانتقلت إلى بيته، تاركة طفلها الصغير لرعاية جدته المسنة التي كانت تسكن بيتاً ريفياً منعزلاً في وولستورب من أعمال إنجلترا. كان إسحاق نحيلاً ضعيف البنية فلم يكن من المنتظر أن يعيش حتى يصبح رجلاً أو حتى صبياً. فقد كانت ولادته قبل أوانها واحتاج في الأشهر الأولى من عمره إلى ما يسند به رقبته. أما طفولته فقد كانت وحيدة ولم يلعب مع أي من الأطفال الآخرين تقريباً حتى التحق بالمدرسة حيث كان يؤثر اللعب منفرداً.
ذهب إسحاق إلى المدرسة الخصوصية في غرانتام حيث لم يظهر منه ميل شديد نحو الدراسة إلى أن حدث ما يلي: تشاجر يوماً مع صبي أعلى منه درجة في الصف، وانتصر إسحاق في هذه المشاجرة ولكنه أقسم أن يتغلب عليه في الدروس أيضاً. وقد وفى بقسمه وسرعان ما احتل المرتبة الأولى في المدرسة.
وكان إسحاق فى خلال السنين المدرسية مهملاً لواجبات المزرعة ومفضلاً عليها المطالعة وصنع الأدوات والنماذج. وقد بنى طاحونة هواء صغيرة ركبها على سطح بيته. وحين لا يكون ثمة ريح لإدارة الطاحونة فإنه كان يستعمل الجهد الفأري ليدير طاحونته (وذلك بأن يسير الفأر في حفرة دولابية كي يصل إلى حنطة هي أبعد قليلاً من متناوله). واخترع عربة ذات أربعة دواليب يسيرها الشخص الراكب في العربة. وصنع ذلك طيارات وفوانيس من الورق المثنى المحتوية على شمعات تنير طريقه إلى المدرسة في الأصابيح الشتوية المظلمة. وكثيراً ما كان يربط فانوساً بذيل إحدى الطيارات في أثناء الليل فيحسبها الناس مذّنبات.
وقد حفر إسحاق على جدران البيت الريفي في وولستورب الساعات الزوالية التي بقيت ظاهرة المعالم لمائة سنة في ما بعد، لقد كان «فتى مفكراً صامتاً رصيناً، يصرف الوقت في غرفته باستعمال الفأس ورسيم الطيور والحيوانات وتصميم السفن ورسم الأشكال على الجدران بالفحم.
وعادت أمه إلى العيش مع ابنها بعد وفاة زوجها الثاني، وقد قررت بعد سنة من ذلك – عندما كان في الخامسة عشرة من عمره – أن يصبح ابنها مزارعاً. فأخذت ترسله أيام السبت مع خادم إلى السوق في غرانتام لبيع القمح والمنتوجات الأخرى في المزرعة. ولكن هذا العمل لم يرق لإسحاق ، فكان يترك للخادم بيع الخضروات ويسرع إلى غرفة المخزن العلوية في بيت السيد كلارك الصيدلي الذي سكن عنده عندما كان في المدرسة . وهناك يقضي الساعات الطوال في مطالعة الكتب القديمة حتى يبيع الخادم الخضرة ويحين وقت العودة إلى البيت . بل وكان أحياناً يقصر عن الوصول إلى غرانتام فيجلس بجوار حاجز على الطريق ويطالع حتى عودة الخادم.
وفي سن السادسة عشرة من عمره أجرى إسحاق بعض التجارب على مختلف أشكال الأجسام كي يرى أياً منها يقدم أقل مقاومة أمام الحركة في السوائل ؛ كذلك أجرى بعض التجارب على القوى الرياضية، فكان يكشف عن قوة العاصفة بأن يقفز أولاً في اتجاه الريح وثانياً في عكس ذلك، وأن يقارن مدى كل من القفزتين مع مدى قفزته في يوم ساكن الريح.
دراسته
وسريعاً ما اكتشفت أمه أن إسحاق لن يصبح مزارعاً ناجحاً، فأرسلته ثانية إلى المدرسة في غرانتام ليعد نفسه لكلية ترنتي في كمبردج، التي دخلها عندما كان في الثامنة عشرة من عمره.
دخل إسحاق الكلية في 8 تموز/ يوليه، ١٦٦١ ، ودرس هناك فى ما درس هندسة ديكارت. وسريعاً ما أظهر مهارة ملحوظة في الرياضيات العالية. وما أن بلغ الثانية والعشرين من عمره حتى أخذ يدرس المذنبات والدوائر والهالة المحيطة بالقمر.
لقد أغلقت كلية ترنتي أبوابها في العام التالي بسبب الوباء في كمبردج، فعاد نيوتن إلى بيته في وولستورب حيث قضى ثمانية عشر شهراً قام فيها بمعظم الاكتشافات التي اشتهر بسببها. وقد ووصف أ. برنارد كوين في مجلة ساينتيفيك أمريكان تلك المرحلة من حياة نيوتن بأنها «أخصب ثمانية عشرة شهراً في كل تاريخ الخيال الخلاق». حيث اكتشف نيوتن نظرية ذي الحدين والطريقة المباشرة للتغيرات (أي مبادىء حساب التفاضل) والطريقة العكسية للتغيرات (حساب التكامل) ونظريته في الجاذبية.
ذات يوم شاهد نيوتن وهو جالس في حديقته في وولستورب تفاحة تسقط إلى الأرض فخطر له أن قوة جذب الأرض للتفاحة لا تنقص بصورة قابلة للقياس في أعالي البنايات أو على قمم الجبال ، قرر عندئذ أن قوة الأرض الجاذبة قد تمتد فعلاً إلى القمر الذي كان موضوعاً لدراسته، بل وقد تكون هذه القوة هي ما يستبقي القمر في مداره. وإن امتد تأثير هذه القوة، الجاذبية، إلى القمر فلم لا يصل إلى التوابع أيضاً؟
تجاربه العلمية
وقد اشترى نيوتن منشوراً زجاجياً لإجراء بعض التجارب المستندة إلى نظرية ديكارت في الألوان، فأحدث ثقباً في أباجور نافذة غرفة معتمة ليسمح بدخول شعاع من ضوء الشمس ووضع المنشور في طريق هذا الشعاع . شاهد حينئذ على الحائط المقابل للطيف الشمسي والمشنوري : صورة متطاولة للشمس – طولها خمسة أضغاف عرضها تقريباً – تتألف من سبعة ألوان مختلفة: الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي. وهكذا اكتشف أن الضوء الأبيض مزيج من جميع الألوان. قال نيوتن: «الأبيض هو اللون العادي للضوء، لأن الضوء مجموعة مختلطة من الأشعة التي تتلون بجميع الألوان المتباينة وهي تقذف قبل أوانها من الأقسام المختلفة للأجسام المنيرة». فإذا تغلب أحد هذه الألوان مال الضوء إلى اكتساب ذلك اللون. فمثلاً يظهر ضوء الشمعة اصفر مع أنه مركب من الكثير من الألوان المتباينة.
وقبل هذا الاكتشاف لنيوتن ظهرت كل أنواع التخمينات عن طبيعة الألوان ونشأتها فمثلاً اعتبر ديكارت أن اللون نظير للأنغام الموسيقية، ولكن نيوتن بين بتجارب عديدة أن اللون خاصة من خواص الضوء. ويبدو أحد الأجسام أحمر اللون لأنه يعكس الضوء الأحمر ويمتص جميع الألوان الأخرى. كذلك الورقة الخضراء توقف أو تمتص الأشعة الحمراء والزرقاء والبنفسجية من الضوء الأبيض وتعكس الأشعة الخضراء وتنقلها.
وكذلك وجد نيوتن أن الأشعة الحمراء أقل الألوان انكساراً أو انحرافاً عن مجراها وأن الأشعة البنفسجية أكثرها في ذلك، فاكتشف بهذا قابلية الانكسار المتباينة لأشعة الضوء، ما أدى إلى نشوء علم التحليل الطيفي. ولم يذع أحد من الناس هذا الاكتشاف لنفسه، وهذا أمر نادر الوقوع في التاريخ العلمي.
وفي سنة ١٦٦٨ صنع نيوتن تلسكوباً عاكساً صغيراً ثم صنع بعد ذلك بمدة وجيزة تلسكوباً أكبر وأرسله إلى «الجمعية الملكية». وقد أصبح عضواً في جمعية الشرف الموقرة هذه عندما كان في الثلاثين من عمره، أي بعد سنتين من تعيينه أستاذاً للرياضيات في كمبريدج.
وأخذ الناس في هذا الحين يتحدثون عن نيوتن «كصاحب عبقرية لا تضاهى»، فهو قد اكتشف الطبيعة المركبة للضوء الأبيض وظاهرة الجاذبية والتغيرات وصنع أول تلسكوب عاكس استعمل في علم الفلك، مع أن جيمز غريغوري من إبرادين كان قد اخترع واحداً من قبل. وقد عورضت نظرية نيوتن في الألوان بمرارة من قبل الكثيرين بما في ذلك بحاثة البصريات العظيم كريسيان هايغنز. وقد دافع نيوتن عن نظريته في الألوان فى رسائل متتابعة وجهها إلى من انتقدوا هذه النظرية. وقد أعيته هذه المجادلات وأصبح قاسياً في الرد وهدد بأن لا ينشر كتابه مرة أخرى. كتب نيوتن إلى ليبنتز الرياضى الفيلسوف: «لقد عذبنى الكثيرون بالمناقشات المتعلقة بنظريتى فى الضوء حتى إنني لمت قلة حيطتي عندما ضحيت بنعمة راحتي سعياً وراء سراب»، وكتب إلى آخر قائلاً: لقد غدوت مدركاً أننى أصبحت عبداً للفلسفة (ويقصد بذلك الفيزياء).. «فأما أن يقرر المرء أن لا ينشر أي جديد وإما أن يغدو عبداً في الدفاع عاشه ).
كان نيوتن في هذه الأثناء يعاني الصعوبات المالية، فطلبت السماح له بأن لا يقدم الدفعات الأسبوعية «للجمعية الملكية» مستقيلاً بذلك من عضويتها، بل وخطر له أن يدرس الحقوق كوسيلة لزيادة دخله. ولكن نيوتن واصل مهنته العلمية على الرغم من فقره ومن المقاومة التي لقيتها اكتشافاته . وعندما كان يمل من عمله كان ، على حد تعبيره ، «يستجم بالخوض في التاريخ والتقويم التاريخي». وقد نشر بعد عدد من السنين كتاباً بعنوان “التقويم التاريخي للممالك القديمة”.
صفاتُه
وقال أحدهم، وكان قد عرف العالم العظيم عدداً من السنين في أثناء تعليمه في كمبردج ، أنه لم ير نيوتن ضاحكاً سوري مرة واحدة ، كان الوديعاً هادئاً متواضعاً، لا تبدو عليه سيماء الغضب قط. ولم أعرف يوماً أنه صرف وقتاً في هواية أو تسلية، كركوب الخيل لاستنشاق الهواء أو المشي أو لعبة البولنغ أو أية رياضة أخرى، وقد كان يعتبر كل وقت ضائعاً إن هو لم يبذله في دراساته التي كان ملازماً لها لدرجة أنه ندر أن غادر غرفته إلا في نهاية الفصل». وعندما كان نيوتن يحاضر «لم يكن يذهب لسماعه إلا القليل ولم يكن يفهمه إلا العدد الأقل حتى أنه كثيراً ما كان يبدو وكأنه يقرأ محاضرته للجدران بسبب قلة المستمعين».
وقد وصف المشاهد نفسه عادات نيوتن الشاذة في الطعام والنوم وشرود الذهن. وقد كان كل اهتمامه منصباً على دراساته لدرجة أنه كان قليل الأكل، بل وكثيراً ما كان ينسى أن يأكل بالمرة. وعندما كنت ألفت نظره عند زيارتي لغرفته إلى الطعام الذي لم يمس كان يقول: «أحقا؟» ويذهب إلى المائدة ويتناول لُقمة أو لقمتين واقفاً، إذ لا يسعني أن أقول أنني رأيته قط يجلس إلى مائدة الطعام تلقاء نفسه.
ونادراً ما كان نيوتن يذهب إلى الفراش قبل الثانية أو الثالثة صباحاً، ولم يكن أحياناً يذهب قبل الخامسة أو السادسة، فينام أربع أو خمس ساعات، وخصوصاً في الربيع والخريف عندما كان يصرف حوالي ستة أسابيع في مختبره، من دون أن تنقطع النار تقريباً في مدفأته عن الاشتعال ليلاً أو نهاراً.
وعندما كان يقوم بأشد دراساته تركيزاً «تعلم أن يذهب إلى الفراش في الثانية عشرة، بعد أن وجد بالاختبار أن تجّاوُز تلك الساعة ولو بقليل مضرّ به أكثر من عكوفه على الدرس يوماً كاملاً».
وكان من النادر أن يذهب لتناول عشائه في قاعة الطعام، إلا في بعض أيام الأعياد، وإن هو ذهب من دون أن يكون هناك من يلفت نظره لم يعتن بهندامه مطلقاً، فيكون حذاؤه مطوياً لدى الكعب وجواربه غير مشدودة وشعره مشعثاً.. وفي المرات النادرة التي كان يترك فيها غرفته بنية الذهاب إلى قاعة الطعام كان يتجه إلى اليسار ويخرج إلى الشارع وإذ يدرك خطأه يقفل راجعاً بسرعة إلى غرفته ثانية بدلا من قاعة الطعام.
لا شك فى أن إسحاق نيوتن كان شخصاً شارد الذهن، ويروى أنه كان ذات مرة في طريقه إلى بيته في كولسترورث يقود فرسه نحو تلة. وعندما أراد أن يعتلي ظهر جواده ثانية اكتشف أنها قد أفلتت من اللجام وهربت، وقد استمر نيوتن قابضاً على اللجام من دون أن يفتقد وجود الفرس.
مؤلفاته
نشر نيوتن كتاب «الفلسفة الطبيعية ومبادىء الرياضيات) سنة ١٦٨٧ عندما كان في الخامسة والأربعين من عمره. ويتألف هذا الكتاب الذي عرف دوماً بالبرنسيبيا من ثلاثة أقسام. عالج نيوتن في القسم الأول قوانين القوى ونتائجها وفيه تظهر قوانينه الثلاثة الشهيرة في الحركة. وفي القسم الثاني عالج ذبذبات النواسات والحركة في السوائل المختلفة. وقد برهن نيوتن في القسم الثالث على أن القوة التي تفسر سقوط الأجسام على سطح الأرض وحركة القمر والكواكب وظاهرة المد والجزر هي قوة واحدة. وقد أعطى نص قانونه العظيم في الجاذبية: كل جسم في الكون يجذب كل جسم آخر بقوة تتناسب طردياً مع حاصل ضرب كتلتيهما وعكسياً مع مربع المسافة بينهما.
لقد حسب نيوتن بواسطة قوانين الجاذبية مقدار المادة في الشمس وفي جميع التوابع ، بل وحدد كثافاتها، وتلك نتائج وصفها عالم الاقتصاد آدم سميث في ما بعد على أنها «خارجة عن نطاق عقل الإنسان واختباره». كذلك قرر أن وزن جسم معين يصبح على سطح الشمس ثلاثة وعشرين مرة ما هو على سطح الأرض، وأن كثافة الأرض أربعة أمثال كثافة الشمس.
وقال أحدهم : البرنسيبيا عمل سيذكره الناس لا في تاريخ علم واحد أو بلد واحد فحسب إذ إنه يبدأ عهداً جديداً في تاريخ العالم كله، عمل يقرأ بحبور في كل تابع من نظامنا الشمسي وفي كل نظام من هذا الكون. فأي امتياز مجيد يتفوق به مؤلف البرنسيبيا.
كان نشر البرنسيبيا حادثاً مثيراً أدى إلى الكثير من التخمين والمقاومة العنيفةفي أوروبا كلها. لقد أثنى عليه بعض العلماء ولكن أكثريتهم لم تستطع أن تعتقد بأن الشمس تبعث قوة غير منظورة تحفظ التوابع في مداراتها.
وعندما قدّم نيوتن نسخاً من كتابه إلى رؤساء الكليات قال بعضهم بأنهم قد يعكفون عليه سبع سنوات قبل أن يستطيعوا فهم أي شيء منه).
كذلك نشر نيوتن كتابه في حساب التفاضل والتكامل “التغيرات” في هذا الوقت أيضاً لأن كتاب لبينتز “حساب التفاضل” كان حديث الظهور إذ ذاك وهو يحتوي المادة نفسها تقريباً. وقد ادعى كل من نيوتن وليبنتز الأسبقية في اكتشاف حساب التفاضل والتكامل، وتجادلا مع اتباعهما بحرارة في هذا الأمر. ولكن مؤرخو العلم يجمعون في هذه الأيام على أن كلاً منهم قام باكتشافه مستقلاً عن الآخر.
أصبح نيوتن بعد هذه القضية حذراً ومتشككاً تجاه العلماء الآخرين وشديد الغيرة والحرص على نتاج عمله. ويبدو من رسائله أنه أمضى وقتاً كان فيه عصبي المزاج ومضطرب العاطفة، يشكو من الأرق ويتهم أصدقاءه بسوء معاملتهم له، وهي اتهامات طلب الصفح عنها في ما بعد.
وظائفه
وفي 1689 وعندما كان في السابعة والأربعين من عمره انتخب عضواً في البرلمان ومثل جامعة كمبردج في مجلس النواب ثلاثة عشر شهراً. وقد واصل أصدقاؤه السعي ليحصلوا له على مراكز رسمية أخرى – بما في ذلك جون لوك – إذ أن دَخلهُ كان قليلاً.
وأخيراً، عندما كان في الثالثة والخمسين من عمره، ساعده نفوذ صديقه شارل مونتاغد إيرل هاليفاكس، على أن يتخلص من مشاكله، فعينه اللورد هاليفاكس محافظاً لدائرة صك النقود ثم رئيساً لها بمرتب تراوح بين ستة آلاف وسبعة آلاف وخمسمائة دولار سنوياً. وقد احتفظ بهذا المركز لبقية حياته. وكانت تقطن معه فى بيته بلندن ابنة شقيقته كاترين بارتون، وقد نالت هذه إعجاباً كبيراً من اللورد هاليفاكس. وعندما توفي الأخير ترك لها بيتاً وخمسة وعشرين ألف دولار “كمكافأة صغيرة لما نَعُمتُ به من سرور وسعادة في خلال أحاديثها معي”.
لقد انقضت أيام العوز عند نيوتن، وكثيراً ما تناول عظام الناس الطعام على مائدته. وفي إحدى هذه المناسبات اقترح أن يشرب نخب جميع الناس المخلصين أياً كانت البلد التي ينتمون إليها، بدلاً من أن يشرب نخب الملوك والأمراء. ثم أضاف: «نحن جميعاً أصدقاء لأننا مجمعون على السعي نحو الهدف الوحيد اللائق بالإنسان، إلا وهو معرفة الحقيقة. كذلك نحن من آدم واحد، لأننا نعيش حياة بسيطة ونسير على الصراط المستقيم، ونحاول بإخلاص أن نعبد «الوجود الأسمى» بصورة تبدو لإدراكنا العاجز على أنها مرضية بأكثر ما يكون».
وقد انتخب في سنة 1703 رئيساً للجمعية العلمية ثم أعيد انتخابه سنة بعد أخرى طيلة الأربع والعشرين سنة الباقية من عمره. وأنعمت عليه الملكة آن في الثالثة والستين من عمره بلقب فارس . وكان كتابه في البصريات قد نشر في العام السابق وذلك بعد انقضاء عشرين سنة على تأليفه.
وكان بود نيوتن في تلك الأثناء أن يتزوج من الليدي نوريس، أرملة أحد البارونات. كان السير وليام نوريس الزوج الثالث لليدي نوريس، وقد رغب نيوتن وقد جاوز الستين من عمره، في أن يصبح زوجها الرابع، فكتب لها هذه الرسالة:
سيدتي، إن حزن سيادتك العميق على فقدان السير وليام الدليل على أنه لو عاد سالماً إلى بيته لسعدت في مواصلة العيش برفقة زوجية، فنفورك اليوم من الإقدام على زواج جديد لا يعزى إلا إلى ذكرى من فقدت. إن التفكير المستمر بمن مات يؤدي إلى حياة شقاء بين القبور، ولا أدل من أن الحزن يؤثر على صحتك إلا ما سببه لك من مرض عندما بلغتك أنباء فقدك زوجك. وهل يمكن لسيادتك أن تقرري صرف بقية حياتك في الحزن والمرض؟
أتستطيعين أن تلبسى رداء الأرملة بصورة دائمة وهو ليس بالرداء الأفضل للحياة الاجتماعية، كما أنه يضع ذكرى الفقيد زوجك دوماً نصب عينيك فيزيد بذلك حزنك وانحراف صحتك إلى أن تخلعيه؟ أن العلاج الصالح لجميع هذه المشاكل هو الزواج الجديد، وأملي أن لا تحتاجي سيادتك إلى الكثير من الوقت لتقرري القبول بالعلاج الصحيح لمثل هذه المشاكل.
ولا يلزمك يا سيدتي أن تطيلي التفكير قبل أن تختاري بين ارتداء لباس الأرملة الحزين باستمرار وبين التهادي من جديد بين سيدات المجتمع، إلى ذلك إن الزوج سيساعدك على أن تعيشي بمستوى يليق بمقامك أكثر مما لو اعتمدت على ما تملكين فحسب. وبما أن سيادتك تميل إلى الشخص المرشح فلا أشك في أنه لن يمضي وقت طويل قبل أن تبلغيني رغبة سيادتك في الزواج، أو على الأقل أن تسمحي لي بالتحدث إليك في هذا الموضوع. «وما أنا، سيدتي، إلا عبدك المطيع وخادمك المخلص». ولكن لم تشأ الأقدرا لهذا الزواج أن يتم.
لقد كتب نيوتن في سنوات حياته الأخيرة في التصوف والكيمياء والظواهر الغريبة، ولم تكن آراءه الدينية مسايرة للتقاليد المتعارف عليها. وقد نشر في الثالثة والثمانين من عمره طبعة منقحة ثالثة للبرنسيبيا. وفى الخامسة والثمانين من عمره كان يقرأ من دون نظارات ولم يفقد ذهنه أياً من وقته على الرغم من أن ذاكرته بدأت تخونه.
وفاته
ترأس اجتماعاً للجمعية الملكية في ٢ آذار/ مارس ١٧٢٧، ثم أصابه المرض في اليوم التالي وتوفي في ٢٠ آذار.
دفن إسحاق نيوتن في كنيسة وستمنستر وأقيم له تمثال في كلية ترنتي، حيث عمل الكثير من أبحاثه وهو لم يزل قريباً من عهد الصبا.
وقد تحدث نيوتن قبل وفاته بقليل عما أنجز في حياته فقال: «لا أدي كيف أبدو للعالم، ولكن أحسبني كالصبي الذي يلهو على شاطىء البحر فيسعده بين آن وآخر أن يجد حجراً أكثر نعومة أو صدفة أجمل من المعتاد، في حين يبقى محيط الحقيقة العظيم أمامه من دون أن يُكتشف».
المراجع
- موسوعة مشاهير العالم الجزء الأول(في العلوم و الفكر و السياسه)