في رحلته للبحث عن الحرية اضطر أحمد مطر للرحيل عن وطنه العراق للبحث عن فضاءٍ حرٍ واسع، فوجد مبتغاه في الكويت التي كانت تدعم الأدب العربي والفكر الحر، وقد عمل في صحيفة القبس الكويتية جنباً إلى جنب مع رسام الكاريكاتور ناجي العلي.
ابتكر الشاعر أحمد مطر فناً جديداً لم يتنهجه أحد في الأدب العربي، وهو اللافتات التي ضمًّنها نقداً وتوثيقاً لمتغيرات الوطن العربي، ليصير بعد سنوات شاعر التَّمرد والثورة الذي ترفع كلماته على لافتات النضال، ويُرددها الثوار وعشاق الحرية من المحيط إلى الخليج.
كانت لافتات أحمد مطر تتصدر الصفحة الأولى من القبس، ويصاحبها كريكاتور ناجي العلي على الصفحة الأخيره، وأصبحت لافتاته بمثابة افتتاحية يومية للصحيفة، وصار الناس يترقبون موعد صدورها، ويتداولون اللافتة اليومية بشغف، حتى صار السؤال المتداول على شفاههم: “هل قرأت اللافتة اليوم؟”.
بدأ أحمد مطر عمله في صحيفة القبس في آب أغسطس من عام 1980 وافتتحها بقصيدة لافتة “عباس” وهي قصيدة ساخرة يقول فيها:
عباس وراء المتراس … يقظ منتبهٌ حسّاس منذ سنين الفتح يلمع سيفه، ويلمِّع شاربه أيضا، منتظرا محتضنا دُفَّه. بلع السارق ضفة قلّب عباس القرطاس ضرب الأخماس بأسداس بقيت ضفة.. لملم عباس ذخيرته والمتراس، ومضى يصقل سيفه عبر اللص إليه، وحل ببيته، أصبح ضيفه قدم عباس له القهوة، ومضى يصقل سيفه صرخت زوجة عباس: ضيفك راودني، عباس، قم أنقذني يا عباس، أبناؤك قتلى، عباس.. عباس، اليقظ الحساس، منتبه لم يسمع شيئا، زوجته تغتاب الناس صرخت زوجته: "عباس، الضيف سيسرق نعجتنا قلب عباس القرطاس، ضرب الأخماس بأسداس، أرسل برقية تهديد.. فلمن تصقل سيفك يا عباس؟ لوقت الشدة.. إذن اصقل سيفك يا عباس.
ضغط سياسي على الكويت
قامت الكثير من الأنظمة العربية بالضغط على الحكومة الكويتية لترويض قلم أحمد مطر وريشة ناجي العلي. شكل أحمد مطر مع رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي ثنائية فريدة في التعبير عن النضال ورفض الاستجداء والثورة على النظام الرسمي العربي، وكان المواطن البسيط يراهما وجهين لعملة واحدة.
لم يكن أحمد مطر قد أصدر غير ديوانه الأول عندما لاحقته الأنظمة العربية، وتصدت له عيون الرقباء والمخبرين لقمع ظاهرة صوته الحرّ، حتى أن كثيراً من قصائده كانت توزع سراً في المخيمات الفلسطينية وفي مختلف المدن العربيةوذلك بسبب منع قصائده من التداول في عشرين دولة عربية، ولم يكن مسموحاً بها إلا في الكويت ومصر.
حيثيات الاستقالة
وبقدر ما كانت القبس في قلبه، فإن ضميره المتمرد لم يحتمل أي نوع من الضغط أو القيد، وحانت ساعة الثورة على المكان الذي استقر فيه فترة من الزمن، فكتب لافتة “حيثيات الاستقالة” التي تقول:
لا ترتكبْ قصيدةً عنيفةْ لا ترتكبْ قصيدةً عنيفة طَبْطَبْ على أعجازِها طَبْطَبهً خفيفةْ إنْ شئتَ أنْ تُنشرَ أشعاركَ في الصَّحيفَةْ ! حتى إذا ما باعَنا الخليفةْ ؟! ( ما باعنا ) ... كافيةٌ لا تذكُرِ الخليفةْ حتى إذا أطلقَ منْ ورائنا كلابَهْ ؟ ـ أطلقَ من ورائنا كلابهُ ... الأليفةْ ! لكنها فوقَ لساني أطبقتْ أنيابها !! قُلْ : أطبقتْ أنيابَها اللطيفةْ ! لكنَّ هذي دولةٌ تزني بها كلُّ الدُّنا ومَا لنا .. ؟ قل إنها زانيةٌ عَفيفة ! وهاهُنا قَوّادُها يزني بنا ! لا تَنفعِلْ طاعتُنا أمرَ وليِّ أمرنا ليستْ زِنى بل سَمِّها .... إنبطاحةً شريفهْ ! الكذبُ شيءٌ قذرٌ نَعَمْ ، صَدقتَ ... فاغسلْهُ إذنْ بكذبةٍ نظيفةْ ! أيتها الصَحيفةْ الصِّدْقُ عندي ثورةٌ وكِذبتي إذا كَذَبتَ َمرَّةً ـ ليستْ سوى قذيفةْ ! فلتأكلي ما شئتِ ، لكنِّي أنا مهما استبدَّ الجوعُ بي أرفضُ أكلَ الجِـيفَةْ أيتُها الصحيفةْ تمسَّحي بِذُلَّةٍ و انطرحي بِرهبَةٍ وانبطحي بِخِيفَةْ أمّا أنا فهذهِ رِجلي بأمِّ هذهِ الوظيفَةْ
“فرعون ذو الأوتاد”.. انتكاسات الربيع العربي
انعزل أحمد مطر جسداً لكن روحه كانت غير بعيدة، وأحاطت بكل أوجاع المواطن العربي المسحوق من منفاه اللندني، وقد عانى من انتكاسات الربيع العربي، وتفرّغ لكتابة لافتاته لكنه لم ينشر أكثرها خوفاً من مقص الرقيب أحيانا، وخوفاً من تلك الصحف التي لم تجرؤ أن تنشرها لما فيها من نقد لاذع وصريح للحكام. وكانت من أواخرها “فرعون ذي الأوتاد” التي نشرها في القبس في 2014:
ما دُقَّت الأوتاد فينا صدفةً … بل دقها فرعون ذو الأوتاد وله سوابقه بتصدير الأذى … ليصُدَّه ويعودَ بالإيراد وله عبيدٌ سادةٌ قد سَوَّدوا … أيامنا من قبل هذا السادي
ما زال يعيش أحمد مطر حاملاً قلمه الحر في منفاه في لندن، مبتعداً عن وسائل الإعلام.