نبذة عن تاريخ دخول الإسلام الصين
من المعروف أن اتصال العالم العربي ومن ثم الإسلامي بالصين كان من طريقين: طريق الحرير البري، وطريق الحرير البحري. وقد كثرت الأقوال والآراء حول زمن دخول الإسلام الصين،ومن المرجح أن دخول الإسلام الصين اكان في العام الثاني من حكم يونغ خوي (Yong Hui) الإمبراطور الثاني في دولة الأسرة الملكية تانغ عام 651م، التي
حكمت الصين من عام 618م إلى عام 905م.
الدليل على ذلك ما ذكر في كتاب تانغ القديم (1) . من أن بلاد العرب بدأت ترسل الوفود والبعثات إلى الصين في شهر أغسطس من العام الثاني من حكم يونغ خوي في عهد تانغ، وهذا الأمر يوافق ما ذكر في كتاب: تسه فو يوان قوي (2)، من أن بلاد العرب قد أوفدت في العام الثاني من حكم الإمبراطور يونغ خوي عام 651م مبعوثها إلى الصين،
وهذا العام يوافق عام 30 أو 32 في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، بمعنى أن الخليفة الثالث من الخلفاء الراشدين قد بعث وفداً إلى الصين في ذلك العام، كما يروى ذلك في الكتب الصينية القديمة بوصفه اتصالاً رسمياً بين بلاد العرب والصين، وهذا الرأي يكاد يصبح شبه متفق علي في أوساط الباحثين، لأنه مبني على التدوينات التاريخية المعتمدة.
ويقول صاحب كتاب (هوي هوي يوان لاي)- أصل المسلمين في الصين: إن الإسلام قد وصل إلى الصين في عام 628م، وكان السبب في ذلك أن الإمبراطور جنغ قوان رأى في منامه أن شيخاً معمَّماً يدفع عنه وحشاً مفترساً غريبَ الشكلِ، وقد أخافهُ ولم يجد مفراً منه، فعندما أصبح التقى وزراءه، وسألهم عن تعبير الرؤيا، فقال قائلٌ منهم: إن الشيخ المعمَّم هو العرب؛ فلديهم القوة والبسطة، والوحش المفترس الغريب الشكل الذي هاجم الإمبراطور هو عنصر عدائي أو شخص ثائر في البلاد، فلا يمكن القضاء عليه إلا بقوة المسلمين، فبعث الإمبراطور سفيراً إلى بلاد العرب، ملتمسا من ملكهم أن يرسل عدة فرق من الجيوش إلى الصين، فاستبدل ثلاثة آلاف من جنود المسلمين بثلاثة آلاف من جنود الصين، فكان هؤلاء الجنود هم آباء المسلمين في الصين، لكن هذه الرواية ليس فيها شيء يدعونا إلى الاعتقاد بصحتها؛ لأنها مبنية على رؤيا الإمبراطور التي لا تدل إلا على الأوهام والخرافات المسيطرة على أذهان الصينيين، وأن الرواية كانت في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولو حدث مثل ذلك في حياته لذكر في السيرة النبوية وكتب التاريخ الإسلامي الموثوق بها.
دخول الإسلام الصين في العام الثاني من حكم جينغ يون (Jing Yon) ومأل في عهد دولة الأسرة الملكية تانغ عام 712م:
أشار إليه كتاب قضايا الأمة الإسلامية (3)، فقد ذكر الكتاب أنه وفي العام الثاني من حكم جينغ يون اجتاح قائد جيوش الدولة الأموية قتيبة بن مسلم الباهليّ بجنوده حدود الصين الحقيقية في منطقة تسونغ لينغ (4). واستولى على ختن، واستعد للهجوم على مدينة كاشغر.
وكان الإمبراطور الصيني آنذاك روي تسونغ لا يريد الحرب، بل اختار الموادعة مع قتيبة ودفع الجزية للمسلمين، فأرسل قتيبة بن مسلم الباهلي عشرة من الدعاة وعالما فلكياً إلى مدينة تشانغ آن عاصمة الصين حينذاك. وكانت هذه هي بداية دخول الدعاة المسلمين الصين حسب ما ذكرته بعض المراجع التاريخية. وهذا القول مبني على أساس اجتياح قتيبة بن مسلم الباهلي حدود الصين، لكن في حقيقة الأمر فإن القائد المُسلم قتيبة بن مسلم الباهلي لم يجتح بجنوده حدود الصين، بل توقف عندها، ولم يرد في الكتب التاريخية الموثوقة أي ذكر عن إرسال الدعاة المسلمين وعالم فلكي
إلى داخل الصين؛ مما يجعلنا نشك في صحة هذه الرواية.
دخول الإسلام الصين في العام الثاني من حكم تشي ده (Zhi De) في عهد دولة الأسرة الملكية تانغ عام 757م:
يرى أصحاب هذا الرأي أن زمن دخول الإسلام الصين هو عهد حكم الإمبراطورين التاسع والعاشر: سو تسونغ (Su Zong)، وداي تسونغ (Dai Zong) في دولة الأسرة الملكية تانغ بين عامي 756 و780م، وهذا القول أقرب إلى الحقيقة التاريخية (6)، وهو ما نرجحه.
حيث تمرد القائد الصيني آن لو شان (An Lu- Shan) في شبه انقلاب عسكري على الأسرة الملكية تانغ الحاكمة في الصين، و أعلن نفسه حاكما في شمال الصين، ثم قاد قواته عبر الحدود الشمالية إلى جنوب الصين ليكمل الانقلاب، وتحرك سريعاً واستولى على “العاصمة الشرقية للصين ليويانج في غضون عام، مُلحـِقاً الهزيمة بحيوش الامبراطور سو تسونغ .
لم يتوقف التمرد بالاستحواذ على ليويانج بل تقدم الجنرال “آن لو شان” إلى العاصمة الامبراطورية الرئيسية “الغربية” تشانجان ليتمكن من هزيمة الجيش الامبراطوري المكلف بحمايتها، فأصبح الطريق إلى العاصمة مفتوحاً.
مع تشكيل القوات المتمردة خطراً داهماً على المقر الامبراطوري، ومع النصائح المتضاربة من مستشاريه، قرر الامبراطور الفرار الى مكان آمن، واصطحب معه معظم بلاطه وأهل بيته، و دخلت قوات المتمردين العاصمة وكان لذلك أثرٌ مدمر على حاضرة الصين المزدهرة .
على اثر ذلك التدهور السريع نصح البلاط الصيني إمبراطور الصين بالاستنجاد بالدولة العباسية ليطلب ارسال حامية من جنود المسلمين للقضاء على الانقلاب، فأرسل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف من رجاله البواسل لمساعدة ملك الصين في قمع التمرد، واستقر بعض هؤلاء الجنود في الصين بعد إخماد نيران التمد، وتزؤجوا من صينيات، وتولدت منهم طبقة خاصة أصبحت هي نواة المسلمين في الصين. ويمكن لنا أن نجعل
هذه الحقبة هي بداية وجود المسلمين الحقيقي في الصين، وكذلك بداية لانتشار الإسلام فيها، والمراد بدخول الإسلام الصين هو ابتداء اعتناق أهل الصين الدين الإسلامي داخل أراضي الصين، وهذا الأمر فعلاً حدث في عهد الإمبراطورين: سو تسونغ، وداي تسونغ وذلك في العام الثاني من حكم تشي ده (Zhi De) في عهد الإمبراطور سو تسونغ في دولة الأسرة الملكية تانغ عام 757م.
المراجع:
- (1) كتاب تانغ القديم، جزء تاريخ الإمبراطور الثاني قاو تسونغ من الأسرة الملكية تانغ، امتد حكمه 34 عاماً من 650 إلى 684 للميلاد.
- (2) الأخبار الجامعة تاي بينغ، السيد الأديب لي فانغ.
- (3) كتاب قضيا الأمة الإسلامية، دار النشر القومية، 1982م
- (4) تسونغ لينغ: تسمية للمناطق الغربية وراء السلسلة الجبلية التي تشمل هضبة البامير وجبال كون لون وكراكروم وهي الحديد الغربية للصين في فترة حكم أسرة تانغ.
- (5) الفيصل العددان 467-468 عام 1431 للهجرة